تعهدات الدول لخفض الانبعاثات والطلب على النفط
إذا ما نفذت، فإن التعهدات التي قدمت بالفعل من نحو 150 بلدا قُبيل قمة الأمم المتحدة القادمة للمناخ في باريس التي تعرف بـ "الدورة الحادية والعشرون لمؤتمر الأطراف COP21" سوف تؤثر بالتأكيد في الطلب العالمي على النفط، وربما تؤدي إلى استقراره قرب 100 مليون برميل في اليوم بحلول منتصف القرن الحالي، ارتفاعا من 91 مليون برميل في اليوم الآن، باستثناء الوقود الحيوي. ولكن هذا لن يبقي الاحترار العالمي دون 2 درجة مئوية، حسب وكالة الطاقة الدولية. لتحقيق هذا الهدف في ظل سيناريوهات الوكالة الأكثر صداقة للمناخ، فإن الطلب على النفط يجب أن يصل إلى ذروته عند 95 مليون برميل في اليوم بحلول عام 2025 ويبدأ بالتراجع بعد عام 2030، ليصل إلى 80 مليون برميل في اليوم في عام 2050 و60 مليون برميل في اليوم في عام 2070.
وقالت الوكالة، إن التعهدات الحالية تشير إلى وجود اتجاه جيد في قطاع الطاقة. حيث إن التوسع في تطوير مصادر الطاقة المتجددة أدى إلى الفصل الكامل بين توليد الطاقة الكهربائية وانبعاثات الكربون ذات الصلة، ليس فقط في أوروبا والولايات المتحدة، بل أيضا وللمرة الأولى في التاريخ، على الصعيد العالمي. على النقيض من ذلك، المساهمات المحددة وطنيا INDCs، أو كما هي معروفة في مفردات الأمم المتحدة بـ "التعهدات"، تتحدث قليلا جدا عن قطاعات الطاقة الأخرى. في مجملها، سوف تسهم التعهدات الحالية في إبطاء نمو الطلب العالمي على النفط إلى 0.4 في المائة سنويا في المتوسط على مدى السنوات الـ 15 المقبلة، هذا أقل من توقعات السيناريو المرجعي (سيناريو السياسات الجديدة) لوكالة الطاقة الدولية المقدر بنحو 0.7 في المائة سنويا، لكنه أقل بكثير من 1.4 في المائة سنويا في المتوسط التي شهدها خلال الأعوام 1990-2014.
تعهدات باريس حتى الآن بالكاد تغير اتجاهات الطلب الحالية في قطاع النفط الأساسي؛ أي قطاع النقل والمواصلات. على سبيل المثال، سوف تصل انبعاثات سيارات الركاب إلى 110 جرامات من ثاني أوكسيد الكربون لكل كيلومتر، أو 56 ميلا للجالون الواحد، بحلول عام 2030 وفقا لوكالة الطاقة الدولية، وهذا المستوى يتماشى مع الأهداف الحالية في أوروبا والولايات المتحدة التي تتوقع 95 جراما من ثاني أوكسيد الكربون لكل كيلومتر بحلول عام 2020 و54.5 ميل للجالون الواحد بحلول عام 2025، على التوالي في حين أن إبقاء ظاهرة الاحتباس الحراري دون 2 درجة مئوية يتطلب تحسين كفاءة قطاع النقل والمواصلات بنسبة 40 في المائة أخرى.
على الرغم من أن تحسين الكفاءة يستند جزئيا على استخدام مزيد من السيارات الكهربائية والعاملة بالهيدروجين، تحويل بعض أنشطة النقل إلى وسائل أكثر كفاءة في استخدام الطاقة والحد من بعض الأنشطة من خلال تكنولوجيا المعلومات، إلا أن سيناريوهات وكالة الطاقة الدولية الأكثر صداقة للمناخ تعتمد بالدرجة الأساس على إجراء تحسينات كبيرة في كفاءة استهلاك الوقود في السيارات التقليدية واستخدام مزيد من الوقود الحيوي. حيث تفترض الوكالة أن انبعاثات السيارات التقليدية الجديدة سوف تنخفض إلى 45 جراما من ثاني أوكسيد الكربون لكل كيلومتر أو 137 ميلا للجالون الواحد في الدول المتقدمة، وإلى 65 جراما من ثاني أكسيد الكربون لكل كيلومتر أو 95 ميلا للجالون الواحد في باقي دول العالم بحلول منتصف القرن. سوف يحافظ الوقود السائل على نسبة 83 في المائة من إجمالي الوقود المستخدم في قطاع النقل، هذا أقل قليلا من 93 في المائة حسب السيناريو المرجعي. لكن حصة النفط ستكون 40 في المائة أقل، حيث إن الوقود الحيوي سوف يشكل نحو ثلث مجموع أنواع الوقود السائل، بدلا من 8 في المائة فقط في السيناريو المرجعي.
خفض انبعاثات قطاع النقل والمواصلات بمقدار الثلث -بدلا من زيادته في السيناريو المرجعي وحتى في تعهدات باريس- يمكن أن يتم عن طريق تحسين التقنيات القائمة، بما في ذلك تطوير قطارات ذات محركات هجينة، استخدام مواد خفيفة الوزن في التصنيع والتحكم الإلكتروني بعملية احتراق الوقود في المحرك، إضافة إلى تعزيز سياسات مثل معايير الاقتصاد في استهلاك الوقود، حتى لو تطلب ذلك وقتا أطول مما تتوقع الوكالة. لكن هناك عوامل غير معروفة يمكن أن تؤثر في هذا الاتجاه في كلا الاتجاهين على سبيل المثال حدوث طفرة في تقنيات السيارات الكهربائية أو على العكس، عدم وجود إرادة سياسة لتطبيق سياسات صارمة.
في هذا الجانب، تعتبر الهند في نظر بعض المسؤولين الأوروبيين علامة استفهام كبرى في سياسات المناخ في المستقبل، على الرغم من أنها لم تتعهد كثيرا في قطاع النقل ضمن المساهمات المحددة وطنيا INDCs- ما عدا رفع حصة السكك الحديدية إلى 45 في المائة من قطاع النقل البري من 36 في المائة الآن، ووضع هدف طموح لرفع نسبة الوقود الحيوي إلى 20 في المائة من الوقود السائل – إلا أن حتى هذا قد لا يتحقق. على نحو مماثل، منطقة الخليج العربي، حيث الدول كانت بطيئة في تقديم المساهمات المحددة وطنيا، يمكن أن تعوض بسهولة بعض جهود الدول الأخرى في خفض الانبعاثات. بصورة عامة، على الرغم من أن تحسين معايير الاقتصاد في استهلاك الوقود بالتأكيد سوف تقلل من الانبعاثات، إلا أنها لا تؤثر في سلوك القيادة، وحتى يمكن أن تحفز مزيدا من الحركة لأنها تخفض كلفة القيادة، خاصة في البلدان غير الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية حيث احتمالية النمو في ملكية السيارات ضخمة.
في الوقت الذي يخسر فيه النفط بعض حصته نتيجة تعهدات باريس، الغاز يبدو وكأنه الفائز الواضح ووقود انتقالي رئيس حيث إن استهلاك الغاز سوف يستمر في النمو على الأقل حتى عام 2030 في ظل جميع السيناريوهات. إن تطوير موارد الغاز الصخري وتوافر الغاز الرخيص خارج أمريكا الشمالية بالتأكيد سوف يساعد في جعل التحول يدوم لفترة أطول. لكن، انخفاض تكاليف الطاقة المتجددة يمكن أن يتفوق مرة أخرى على التوقعات الأكثر تفاؤلا وتزيل الغاز من الأحمال الأساسية والسماح لها بتوليد الكهرباء بشكل مستمر باعتبارها طاقة حمل أساسية، في وقت أقرب مما كان متوقعا.
(المصدر: الاقتصادية 2015-11-11)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews