توافر احتياطات عالمية للنفط والغاز الصخريين
نشرت إدارة معلومات الطاقة في وزارة الطاقة الأميركية الأسبوع الماضي أول دراسة من نوعها حول احتياطات النفط والغاز الصخريين على المستوى العالمي. وعلى رغم المعلومات التي قدمتها الوكالة حول حجم الاحتياطات العالمية للبترول الصخري (النفط والغاز)، يبقى هناك تحدٍّ رئيس وهو نقل هذه الاحتياطات إلى مرحلة الإنتاج.
تحفظت الوكالة فأشارت في التقرير إلى أن الأرقام المذكورة ما هي إلا مؤشرات أولية معتمدة على المسوح وليس الحفر، إذ يجب حفر أعداد كبيرة جداً من الآبار للتأكد من توافر احتياطات مؤكدة، أما الاحتياطات المذكورة في التقرير فأولية ويمكن إنتاجها بالتقنية المتوافرة في الفترة الحالية من دون الأخذ في الاعتبار اقتصاديات الإنتاج. والمسح الذي أُجري لا يأخذ في الاعتبار البترول الصخري المتوافر في أسفل الحقول العملاقة في دول الشرق الأوسط ومنطقة بحر قزوين، فهذه الصخور لم تُمسح ولا تتوافر معلومات عنها حتى الآن، لذلك لم تُشمَل في الدراسة.
والدراسة، وهي الأولى من نوعها لاحتياطات النفط الصخري عالمياً، إذ أن إدارة المعلومات كانت أجرت سابقاً دراسة لاحتياطات الغاز الصخري عالمياً واحتياطات النفط الصخري في الولايات المتحدة فقط، تُعتبر مؤشراً أولياً لما يمكن توقعه عالمياً. والمؤشر الأساسي هو توافر النفط والغاز الصخري في دول مختلفة من العالم، بينما هو يُنتَج حالياً في كل من الولايات المتحدة وكندا فقط. وتشير الدراسة إلى أن أكثر من نصف احتياطات النفط الصخري عالمياً، خارج الولايات المتحدة، متوافر في أربع دول هي: روسيا والصين والأرجنتين وليبيا، بينما أكثر من نصف احتياطات الغاز العالمية خارج الولايات المتحدة متوافرة في خمس دول هي: الصين والأرجنتين والجزائر وكندا والمكسيك.
وتقدّر الدراسة الاحتياطات النفطية الصخرية العالمية بنحو 345 بليون برميل منتشرة في 41 دولة. وصنفت الدول العشر الأولى لجهة حجم الاحتياطات، إذ تصدرت روسيا هذه القائمة بنحو 75 بليون برميل، تلتها الولايات المتحدة بـ 58 بليوناً، فالصين بـ 32 بليوناً، والأرجنتين بـ 27 بليوناً. واحتلت ليبيا المرتبة الخامسة بنحو 26 بليوناً، وهي الدولة العربية الوحيدة في القائمة. وتبلغ نسبة احتياطات النفط الصخري 10 في المئة من مجمل احتياطات النفط العالمية البالغة نحو 3.357 تريليون برميل.
أما الغاز الصخري، فتقدر احتياطاته عالمياً بنحو سبعة آلاف و299 تريليون قدم مكعبة، وتتصدر الصين قائمة الدول العشر الأولى على صعيد الاحتياط بنحو ألف و115 تريليون قدم مكعبة من الغاز الصخري، تليها الأرجنتين بنحو 802 تريليون. وتحتل الجزائر المرتبة الثالثة بنحو 707 تريليونات قدم مكعبة، وهي الدولة العربية الوحيدة من ضمن القائمة. وتحل الولايات المتحدة رابعة بنحو 665 تريليون قدم مكعبة، فكندا في المرتبة الخامسة بنحو 573 تريليوناً. ويشكل احتياطي الغاز الصخري نحو 32 في المئة من مجمل احتياط الغاز العالمي.
ويجري الإنتاج التجاري حالياً للنفط والغاز الصخريين فقط في الولايات المتحدة وكندا اللتين سبقتا بقية دول العالم في اكتشاف البترول الصخري وإنتاجه لمرونة القوانين نسبياً، وتوافر المجال للشركات النفطية الصغيرة المستقلة للمخاطرة في استكشاف هذه الثورة النفطية، وتوافر الأدوات والوسائل المالية للاقتراض دعماً لهذه المشاريع الجديدة، وتواجد شبكات واسعة للأنابيب لإيصال البترول المكتشف من دون نفقات عالية للبنية التحتية. ويُذكر أن بعد اكتشاف شركات صغيرة هذا البترول، أخذت تشاركها أو تشتريها شركات عملاقة دولية أميركية وأوروبية وآسيوية.
يشكل البترول الصخري تحدياً جدياً لصناعة البترول التقليدية. ولم يبرز أي تحدٍّ مماثل من قبل أي من البدائل المستدامة (الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح أو الطاقة النووية) التي لا تزال تشكل بعد عقود من الزمن أقل من 10 في المئة من مجمل مصادر الطاقة المستعملة عالمياً، على رغم الدعم الذي يقدَّم لإنتاجها أو استهلاكها. واستطاعت الشركات إنتاج البترول الصخري في الولايات المتحدة بكميات ضخمة وبسرعة وبتكاليف منخفضة، فشكلت نسبة إنتاج النفط الصخري نحو 29 في المئة من مجمل إنتاج النفط الأميركي ونسبة إنتاج الغاز الصخري نحو 40 في المئة من مجمل إنتاج الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة في 2012.
لكن على رغم أهمية البترول الصخري، لا يُتوقَّع إنتاجه على المستوى العالمي بكميات تجارية كبيرة في المستقبل المنظور. ولا يعني هذا عدم إعطاء الأهمية اللازمة لهذا المصدر الطاقوي المهم الذي سيزداد تأثيره في صناعة النفط العالمية مع مرور الوقت، خصوصاً لأن صناعة النفط والغاز الصخريين لا تزال في مراحلها الأولية، وغير معروف حتى الآن حجم الاحتياطات المؤكدة لكل من النفط والغاز الصخري وكذلك التحديات المستقبلية والعقبات التي ستبرز أمام هذه الصناعة.
وخير مثال على ذلك تجربة بولندا، الدولة التي صنِّفت في المرتبة الثانية عشرة لاحتياطاتها، لكن على رغم الاهتمام الكبير في الاكتشافات هناك، دلت عمليات الحفر من قبل شركات عالمية مثل «إكسون موبيل» و»ماراثون» و»تاليسمان»، أن العملية صعبة هناك، وانسحب بعض هذه الشركات من بولندا، على رغم المؤشرات الأولية المشجعة إلى وجود البترول الصخري. ويتطلب إنتاج البترول الصخري استعمال تقنيات جديدة مثل التكسير الهيدروليكي للصخور أو الحفر الأفقي للآبار. وكما أشارت دراسة إدارة المعلومات ذاتها، وكما تبين في الاكتشافات الأميركية ذاتها، تتفاوت النجاحات في الحقول.
واضح أننا مقبلون على عهد نفطي جديد، سيختفي فيه الكلام عن إمكانية تلبية الاحتياطات النفطية أو الغازية الطلب العالمي المستقبلي على الطاقة، ما يعني الانتهاء من الكلام عن نظرية «ذروة النفط» التي شاعت خلال السنوات الأخيرة. أما بالنسبة إلى الدول النفطية العربية، التي ستستفيد من امتداد عصر النفط، ثمة ضرورة لتطوير شركات النفط الوطنية كي تتعامل مع هذه الظاهرة بنجاح، ويجب عدم الاكتفاء بإنتاج النفوط التقليدية في دول المنطقة، بل مشاركة شركات نفطية عالمية لطرق أبواب اكتشاف البترول الصخري وإنتاجه وتسويقه عالمياً. فالسؤال المطروح ليس عن مستقبل العرب والنفط بل عن العرب ومستقبل النفط. هذا هو شعار المرحلة التي ستواجهنا مستقبلاً.
( المصدر : الحياة اللندنية )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews