تعثر الاقصاد الصيني لن يؤثر بقوة على الطلب الآسيوي

تعثر الاقتصاد الصيني يرسل إشارات هبوطية إلى أسواق النفط العالمية، ما يؤثر سلبا في أسعار العقود الآجلة للنفط الخام ويعكر النمو الاقتصادي في باقي الدول الآسيوية. لكن يجمع عديد من المحللين على أن هذا سوف يكون له تأثير متواضع في نمو الطلب على النفط في آسيا، الذي لا يزال يجد دعما من انخفاض أسعار النفط، الذي في الواقع يمكن أن يحصل أيضا على دفعة من أي ضغط إضافي يوضع على الأسعار نتيجة تمايل الاقتصاد الصيني.

لو نظرنا إلى ثلاثة من أكبر مستهلكي النفط في المنطقة نلاحظ أن الطلب في الهند يتزايد بقوة، في حين أن الطلب في اليابان وكوريا الجنوبية كان أفضل بكثير في هذا العام حتى الآن مما كان عليه في عام 2014. نعم الطلب على النفط في اليابان في انخفاض هيكلي على المدى الطويل، لكنه انكمش فقط بنحو 0.9 في المائة على أساس سنوي في الأشهر الثمانية الأولى من هذا العام، وهو أداء أقوى بكثير من التراجع بنسبة 4.1 في المائة على أساس سنوي التي شهدها في الفترة نفسها من العام الماضي. وفي كوريا الجنوبية ارتفع الطلب على النفط بنسبة 3.1 في المائة على أساس سنوي في الأشهر الثمانية الأولى من هذا العام، وعكس اتجاه الانخفاض بنسبة 0.3 في المائة على أساس سنوي التي شهدها في الفترة نفسها من العام الماضي. حيث إن الطلب القوي على النفثا والمواد الأولية للصناعة البتروكيماوية عزز الطلب في كلا البلدين، في حين أن انخفاض أسعار النفط قد رفع من الطلب على البنزين.

في هذا الجانب، يتوقع بعض المحللين أن يرتفع الطلب على النفط في كوريا الجنوبية في النصف الثاني من هذا العام بنحو 2.5 في المائة على أساس سنوي، بانخفاض عن النمو بنسبة 3.9 في المائة في النصف الأول، حيث إن استقرار أسعار النفط أكثر وتخفيف نشاط الصناعة البتروكيمياوية أديا إلى بعض التراجع في نمو الطلب. أما وود ماكينزي فيتوقع أن ينمو الطلب على النفط في كوريا بنسبة 2.7 في المائة في عام 2015 ككل، لكنه سوف يتباطأ إلى 1 في المائة فقط في العام المقبل مع توقع ارتفاع أسعار النفط وانخفاض الطلب الصيني على واردات البتروكيمياويات من كوريا. أما بالنسبة لليابان، من المتوقع أن ينخفض الطلب على النفط في النصف الثاني من هذا العام بنحو 0.8 في المائة على أساس سنوي. في حين يعتقد وود ماكينزي أن الطلب على النفط في اليابان سوف يتراجع بنسبة 2.5 في المائة في عام 2015 ككل. حيث من المتوقع أن ينخفض الطلب الياباني على زيت الوقود والنفط الخام بعد إعادة تشغيل محطات الطاقة النووية من جديد.

في الهند، على الرغم من خفة حدة النمو الاقتصادي، إلا أن نمو الطلب على النفط فيها لا يزال قويا، بدعم من الطلب على المشتقات (نواتج التقطير) الخفيفة وانخفاض هطول الأمطار هذا العام، الذي من المتوقع أن يعزز الطلب على زيت الغاز في قطاعي الزراعة والطاقة.

في هذا الجانب، تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن يصل الطلب على النفط في الهند في هذا العام إلى 3.9 مليون برميل في اليوم، أي بزيادة 150 ألف برميل في اليوم عن العام الماضي. هذا وقد قام بنك التنمية الآسيوي بتقليص توقعاته للنمو الاقتصادي في الهند لعام 2015 بنحو 0.4 نقطة مئوية، لكن مع ذلك لا يزال النمو قويا عند 7.4 في المائة. في الوقت نفسه أشار عديد من المسؤولين الهنود أخيرا إلى أن منطقة جنوب آسيا لن تتأثر كثيرا من تباطؤ الصين، بل على العكس سوف تستفيد لأن ذلك من شأنه إبقاء أسعار النفط والسلع الأخرى تحت السيطرة ويزيد من جاذبية الهند كموقع استثماري بديل.

في غضون ذلك، توقع بعض المحللين أن يرتفع نمو الطلب الهندي على النفط في النصف الثاني من هذا العام إلى 6 في المائة على أساس سنوي، من 5.2 في المائة في النصف الأول. حيث من المتوقع أن يدعم الاستهلاك في النصف الثاني باستمرار الطلب القوي على البنزين، زيادة استهلاك النفثا في الصناعة البتروكيماوية مع بدء تشغيل وحدات تكسير جديدة وإعادة تشغيل مصنع الأسمدة، وكذلك من استقرار الطلب على زيت الغاز.

أما في اقتصاديات جنوب شرقي آسيا مثل إندونيسيا وماليزيا، اللتين هما أكثر حساسية لمستويات الأسعار من جيرانهما في شمال شرقي آسيا، واللتين توقعات نمو الطلب فيهما قد تعقدت على خلفية الحد من الدعم الحكومي على الوقود، فإن انخفاض واستقرار أسعار النفط قد دعم نمو الطلب فيها الذي من المتوقع أن يرتفع في النصف الثاني من العام. كما استفادت هذه المنطقة أيضا من ضغوط الاقتصاد الصيني المتعثر على الأسعار.

هذا وكان الطلب على النفط في ماليزيا قد ارتفع بنسبة 1 في المائة على أساس سنوي في الأشهر الستة الأولى من هذا العام، على الرغم من أنها شهدت نموا كبيرا في الطلب بين عامي 2012 و2014 تراوح بين 3 و4 في المائة. في النصف الثاني من العام، من المتوقع أن ينمو الطلب الماليزي بنحو 2.2 في المائة. وفي الفترة نفسها سينمو الطلب في إندونيسيا بنحو 1.1 في المائة، حيث إن المستهلكين تكيفوا مع تحرير أسعار الوقود جزئيا. هذا وقد قام بنك التنمية الآسيوي بخفض توقعاته للنمو الاقتصادي لجنوب شرقي آسيا لهذا العام بنحو 0.5 نقطة مئوية إلى 4.4 في المائة، وذلك بسبب انخفاض الطلب من الصين والاقتصادات الصناعية الغربية على صادرات هذه المنطقة.

(المصدر: الاقتصادية 2015-10-28)