حرب نفطية على اقتناص المزيد من الحصص
لطالما تحدثت الاوساط الدولية، من دون دليل واضح، عن دور للسعودية في هبوط أسعار النفط، وهذا ما يمكن استنتاجه من التدخل الروسي في سوريا. لكنّ المؤكد انّ الحرب النفطية تزداد وضوحاً على الحصص في اسواق النفط، خصوصاً بعد تحوّل بولندا من روسيا الى المملكة.بينما يعمل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على استعادة روسيا لدورها الرئيسي في الشرق الاوسط من خلال تدخّلها العسكري غير المسبوق في سوريا، بدأت المملكة العربية السعودية في شن حرب على روسيا في المناطق التي تعتبر تقليدياً وتاريخياً تابعة لها. وتقوم بذلك من خلال بيعها حديثاً النفط لبولندا بأرخص الاسعار.
وقد بدأ الروس بالتعبير عن انزعاجهم من دخول السعوية الى السوق البولندي، وقد جاء ذلك على لسان المدير الرئيسي لأكبر شركة نفط روسية خلال معرض حديث للاستثمار.
وتتالت الانتقادات المشابهة من قبل مسؤولين آخرين في القطاع النفطي الروسي، وجميعهم يعتبرون انّ المملكة العربية السعودية تضع كل ثقلها لمنافسة روسيا في عقر سوقها التقليدية التاريخية. ودعا هؤلاء روسيا الى القيام بالخطوات الضرورية للمحافظة على مصالحها في الاسواق.
ويعتبر التجّار الاوروبيون وشركات مصافي النفط انّ المملكة العربية السعودية تعرض حسومات كبيرة في الاسعار ما يجعل تجارة النفط معها أكثر جاذبية من شراء النفط الروسي، ويدعو ذلك روسيا الى القلق جدياً في وقت تعتبر فيه غالبية مصافي النفط في اوروبا الشرقية معتمدة بشكل رئيسي على النفط الروسي.
وتعود المواجهة بين روسيا والمملكة الى سبعينات القرن الماضي عندما كانت السعودية تبيع نصف نتاجها النفطي الى اوروبا، لكنّ ذلك دفع الاتحاد السوفياتي الى مَد أنابيب نفطية لتصدير افضل واكثر تنافسياً، ما دفع المملكة العربية السعودية الى التحوّل نحو الاسواق الاسيوية.
تراجعت صادرات النفط السعودية الى اوروبا لتنحسر حصتها في هذه الاسواق الى 2,9 في المئة في العام 2009، وفي المقابل ارتفعت حصة روسيا في هذه الاسواق الى 34,1 في المئة عام 2011.
امّا في السنوات الاخيرة فزادت السعودية حصتها الى 8,6 في المئة، والآن تدخل الى السوق البولندية، وكغيرها من غالبية دول اوروبا الشرقية، طالما كانت بولندا تشتري نفطها من روسيا. وفي العام الماضي اشترت اكثر من 75 في المئة من حاجاتها النفطية من الشركات الروسية، امّا الباقي فمن دول اوروبية ومن كازاخستان.
وساهمت الازمة الاوكرانية في إبعاد بولندا عن الجاذبية الروسية، والتي تحاول جاهدة تقليص اعتمادها على النفط والغاز الروسيّين.
ونتيجة ذلك يمكن لبولندا ان تعتبر انّ المملكة العربية السعودية تؤدي دور الفرصة المناسبة لتحقيق الاهداف المذكورة، كما انّ ذلك يصبّ في مصلحة المملكة العربية السعودية التي تريد ان تبيع خارج الاسواق الاسيوية حيث النفط الروسي ما بَرح يتراجع.
وحتى العام 2000 كانت جميع صادرات النفط الروسية الى اوروبا، لكنّ ذلك تبدّل مؤخراً لتتراجع صادراتها الى اوروبا الى 62 في المئة من اجمالي الصادرات الروسية. امّا البقية فموزّعة كالتالي: 14% للصين، 6% لليابان، 2% لكوريا الجنوبية، 7% لدول مختلفة و9% لبيلاروسيا.
وفي المقابل بدأت روسيا تشكّل منافسة جدية للمملكة في الاسواق الاسيوية، ويبدو انّ صادرات روسيا للصين بدأت تتجاوز صادرات المملكة.
ومع تقلّص الطلب من الصين والدول الاسيوية، تبدو الحرب على الحصص في الاسواق اكثر سخونة، وهذا ما دفع المملكة الى قيادة حرب تخفيض الاسعار للمحافظة على حصتها في الاسواق العالمية. إنها قضية بقاء واستمرار. وتعتقد روسيا انه عندما تنطلق ايران، التي تعتبرها حليفاً، الى اسواق النفط العالمية، فإنّ ذلك يصبّ في مصلحتها.
ومن خلال مَد الانابيب النفطية الجديدة عبر سوريا، سوف تحاول روسيا وَقف الزحف السعودي لإنشاء طريق لصادراتها في سوريا. ويبدو الأمر ذو اهمية كبرى لروسيا التي تجد انّ حصتها في الاسواق الاوروبية تتراجع، الامر الذي يعجّل من تدخّلها في سوريا مناسبة لوَضع شروطها الخاصة.
وتنذر هذه الحرب من اقتراب دخول ايران الى اسواق النفط من الباب العريض وتباطؤ الاقتصاد في الصين والاسواق الناشئة وأثره في الاقتصاد العالمي، وبالتالي على توقعات استهلاك النفط باتجاهات اضافية لتراجع اسعار النفط العالمية. وعليه، فإنّ اسعار النفط سوف تبقى في دائرة الضعف ولن تعود للانتعاش وحتى المحدود منه كما هو الامر بالنسبة للسلع الاخرى، وخصوصاً الذهب والفضة.
(المصدر: الجمهورية اللبنانية 2015-10-19)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews