تهاوي أسعار النفط .. والمشروعات الاستثمارية
بدأت التأثيرات السلبية لتراجع أسعار النفط تلقي بظلالها الكئيبة بقوة على المشاريع النفطية العالمية حيث تشير التقارير الاقتصادية إلى أن مشاريع نفطية عالمية بقيمة 118 مليار دولار تم تأجيلها على خلفية تدهور أسعار النفط خلال الأشهر الأخيرة ،والإعلان عن أن العديد من شركات النفط والغاز الكبرى أعلنت عزمها عن تقديم تخفيضات أخرى في محاولة للبقاء في الصناعة التي تعاني من أزمة أعمق بكثير مما تعرضت له في أي وقت مضى.
والأخطر من ذلك اتخاذ شركات عالمية عملاقة خطوات لتسريح نحو 6500 موظف خلال العام الجاري من إجمالي مئة ألف عامل تقريبا بعد هبوط أرباحها بنحو 37 % خلال الربع الثاني من العام 2015 ، كما تفعل شركة (رويال داتش شل) ليس ذلك فقط بل أعلنت أيضا عن خفض استثماراتها الرأسمالية للمرة الثانية خلال العام الجاري لتقلصها بواقع ثلاثة مليارات أخرى في ميزانية 2015 إلى 30 مليار دولار، وبالمثل فقد تراجعت الأرباح الفصلية لشركة (بي بي) البريطانية بأكثر من الثلثين، لتسجل 1.3 مليار دولار مقابل 3.6 مليار دولار خلال الربع الثاني من 2014، كما وضعت الشركة خططا لخفض الإنفاق الرأسمالي للمرة الثانية خلال العام الحالي ليبلغ أقل من 20 مليار دولار، متراجعا من نحو 22 مليار دولار في 2014، وهذا دليل على سوء الأوضاع المالية للشركات الكبرى ،بعد أن سبقتها في ذلك شركات أخرى في بداية عام 2015، بدأت في تقليص الأيد العاملة فضلا عن تقليص عمليات التنقيب عن النفط والغاز، وعلى صعيد دول مجلس التعاون فإن الاقتصاديات الخليجية لم تسلم أيضا من هذه الآثار السلبية، حيث أكدت وكالة "ستاندرد آند بورز" لخدمات التصنيف الائتماني، إن استمرار تراجع أسعار النفط قد يؤدي إلى تأجيل بعض مشاريع البنية التحتية أو إلغائها في دول مجلس التعاون الخليجي ، لأن مؤسسات وشركات البنية التحتية تواجه بيئة تشغيل ضعيفة في الوقت الحالي منذ تراجع أسعار النفط في يونيو عام 2014 ، بالإضافة إلى تعثر تباطؤ بعض المشروعات الاستثمارية، حتى أن بعض الدول باتت تواجه صعوبات في توفير أجور العاملين، إلى الضغوط التي أدت إلى تخفيض الإنفاق في مواجهة تراجع الإيرادات النفطية، إلا أن بعض العوامل خففت قليلا من هذه التبعات أولها الميزانيات العمومية القوية ثم الاحتياطيات المالية، والفوائض المتراكمة في تخفيف آثار انخفاض الأسعار ومساعدة الحكومات لمواصلة جهودها في اتجاه التنويع الاقتصادي بعيداعن النفط، خاصة في الدول التي نجحت على نحو أفضل في إدارة فوائضها الناجمة عن الطفرة النفطية على مدى السنوات العشر الماضية، كما أن الانخفاض الكبير في معدل الديون، وتراكم كثير من الاحتياطيات، سيسمحان لبعض الدول الخليجية مثل قطر والسعودية والإمارات والكويت بالتعامل بسهولة مع العجز الناجم عن الانخفاض في أسعار النفط لفترة أطول من الزمن، وليس هناك أدنى شك في المشاكل التي تواجه الدول التي لم تنجح في تسخير الفوائض النفطية في اتجاه التنويع الاقتصادي لمصادر الدخل وتعزيز المرونة الاستثمارية بدون الاعتماد على النفط، وتوظيفها في قطاعات الصناعة والسياحة والزراعة لتحقيق النمو، وفي ذات الوقت تسعى إلى التخفيف من حدة الطاقة الاستهلاكية وتوفير العملات الأجنبية، وتشجيع الصناعات والمنتجات المحلية حتى تكون قادرة على المنافسة العالمية والإقليمية ، ولا سيما أن قراءة مؤشرات البنك الدولي تؤكد بأنه لا أحد يعرف إلى أين تصل أسعار النفط المستمرة في الانحدار، ولا متى ستصل الأسعار إلى نقطة التعادل التي تحقق مصالح المنتجين والمستهلكين ، في ظل استمرار الوضع الحالي، وتمسك "أوبك" بموقفها ، الذي يزيد الأمور تأزما ، لأن توازن السوق لن يتحقق إلا إذا تناقص الفائض من خارج المنظمة وداخلها ، خاصة بعد ارتفاع إنتاج النفط الأميركي خلال عام 2015 بمقدار 750 ألف برميل يوميا ليصل إلى 3.9 مليون برميل في اليوم، مما يجعل التأثيرات السلبية أكثر وضوحا خلال عام 2016 حيث ستصل الزيادة في الإنتاج إلى أعلى معدلاتها، مما سيؤثر على معدلات الطلب ليصل إلى أدنى مستوياته ، ولا شك أن ذلك يلقي بمخاوف من حدوث أزمة اقتصادية و لكنها لا ترقى لمستوى الأزمة الاقتصادية العالمية التي حدثت في خريف عام 2008، يغذيها تراجع الاقتصاد الأوروبي وتباطؤ الاقتصاد الصيني وكذلك عودة البترول الإيراني إلى الأسواق، واستمرار مسلسل انخفاض أسعار النفط مما يؤثر على الإيرادات الخليجية، ومن ثم على المواطن الخليجي بشكل أو بآخر، لأن ذلك سيؤدي إلى ارتفاع مستوى عجز دول الخليج خلال 2016 ، وإن كان انخفاض سعر النفط خلال السنتين أو الثلاث المقبلة قد لا يكون مقلقا بشكل كبير لبعض دول الخليج العربية، وذلك لوجود مخزون نفطي كبير وصناديق سيادية، على الرغم من عدم وضع استراتيجية واضحة للتخلص من الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للدخل، عندما تخطى سعر البرميل المائة دولار.
(المصدر: الشرق القطرية 2015-09-30)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews