البابا يُعبِّر عن رؤيته الإقتصادية للعالم
لم تكن دعوة البابا فرنسيس في الولايات المتحدة الاميركية هذا الاسبوع لإعادة توزيع الاموال بعدالة على الشعوب والدول، سوى ضوء احمر لانذار العالم وتوعيته على الوضع المالي والاقتصادي المأسوي التي ترزح تحته الدول والمجتمعات. ان العالم يدرك ذلك، وقد بدأ فعليا في اتخاذ الاجراءات.اختصر البابا فرنسيس خلال زيارته للولايات المتحدة الاميركية السياسات النقدية والأزمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية على الكرة الارضية بجملة واحدة تركزت على اعادة توزيع الثروات بعدالة اكثر. اذ في حين تغرق حكومات العالم بالديون القاتلة ومعها الطبقات المتوسطة والفقيرة التي باتت تفتقر الى السيولة ومعها الى مستوى عيش كريم، تحتكر حفنة من الشركات الثروات العالمية والسيولة.
وما زالت حكومات العالم خجولة على مستوى تشريع الأنظمة لاعادة توزيع الدخل وعلى مستوى اعادة النظر بمستويات الاجور لتحسين الدخل الفردي للطبقات المتوسطة والفقيرة.
كما تتراجع في الوقت عينه قدرة هذه الحكومات على تقديم الخدمات الاساسية والضرورية لشعوبها من ضمان اجتماعي وضمان شيخوخة وتعويض بطالة ومنح مدرسية ودعم نفقات النقل والطبابة وتوفير الخدمات من كهرباء وماء ونظافة.
تذهب الأمور نحو الاسوأ اذ ترتفع مديونية الحكومات وتزداد كلفة هذه المديونية فتتآكل قدرة الحكومات على الالتزام بالحد الأدنى المتوجب اتجاه مواطنيها الاكثر حاجة. أما المسار العام الحالي فإنه سوف يقود إلى ظروف اجتماعية وحياتية قاسية قد تنقلب تململاً شعبياً يتحول فيما بعد الى مواجهات من الافضل تداركها.
واذا كان اكبر مركز اقتصادي ومالي ونقدي في العالم اكتفى في محاربة هذه الاوضاع باللجوء الى خطوات جريئة لكن تبقى غير كافية وأهمها:
أولاً - تخفيض اسعار الفائدة الى صفر في المئة تقريبا. وهي محاولة تبقى محدودة لكنها نوعية اذ تهدف الى التشجيع على توظيف الاموال في الاقتصاد المنتج بدلا من تركها ودائع مصرفية تعتمد على اسعار فائدة سلبية. ومن شأن ذلك ردع البعض عن الاكتفاء بالاعتماد على عائدات اسعار الفائدة التي انقلبت نفقات اضافية غير متوقعة.
ويبدو ان هذا الاتجاه ما زال متواصلا. اذ لم يكن حتى الآن كافيا لخلق العدد المطلوب من الوظائف للحفاظ على توازن المجتمعات والعائلات ويلاقي حاجات الاجيال الجديدة من المتخرجين والشباب الذي يريد دخول اسواق العمل.
وهذا الوضع هو نفسه الذي دفع الاحتياطي الفدرالي الاميركي لتأجيل رفع اسعار الفائدة الذي كان متوقعا في 17 ايلول الجاري. وكان كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي اجتهدا لكي لا يتم رفع اسعار الفائدة رأفة بدول الاسواق الناشئة وبالشعوب. انه اعتراف دولي كوني بضرورة تأمين العدالة الاجتماعية.
ثانيا – محاربة تجميد الثروات باللجوء الى طبع الاموال وضخها في الاسواق بمبالغ ضخمة لم يسجلها التاريخ البشري سابقا. اذ قدرت هذه الاموال بتريليونات الدولارات وفي اكثر من دولة وقارة واتحاد دول.
ثالثا – محاربة الفساد والتهرب الضريبي وهما فعلان يزيدان من تراكم الثروات في يد حفنة من الناس على حساب الجمهور العام وعلى حساب مداخيل الحكومات.
رابعا – تخفيض اسعار النفط لمساعدة الدول على تحقيق نسبة نمو اقتصادي افضل على حساب الدول المنتجة للنفط. وهو امر يصب في صالح اعادة توزيع الثروات.
خامسا – تخفيض اسعار العملات وهو يخدم الاهداف نفسها.
غير ان هذه الجهود على تنوعها لم تكن كافية لتحقيق التوزيع المالي العادل. فهل يتمكن النظام الرأسمالي من التوصل الى عدالة اكبر في توزيع الثروات؟
على مثال الحرية التي يجب ان يكون لها ضوابط كذلك تكديس ثروات الدول يجب ان يكون له ضوابط. ويبدو ان العالم يسير نحو التركيز على مسألة اعادة توزيع الثروات في العالم. ولم تكن مطالبة البابا فرنسيس بذلك بشكل مباشر وعلني من على اكبر منبر في العالم سوى الضوء الاخضر للسير قدما في هذا الاتجاه.
(المصدر: الجمهورية اللبنانية 2015-09-28)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews