اختبار القوة
أوباما لا يطيق نتنياهو. والعكس صحيح ايضا. فهما يمقتان الواحد الاخر ولكنهما يتغلبان على ذلك. يلتقيان مرة في السنة، واحيانا اكثير بقليل، يحاولان بث الصداقة وعدم الاهانة. يقولان ان علاقات الدولتين ممتازة، يبثان كذبة بيضاء وفيها مديح كاذب عن الزعيم الاخر، يبتسمان للكاميرا ويعلنان بفخار عن العلاقة الطيبة بين الولايات المتحدة وإسرائيل. هذا التوتر بين العاطفة والعقل، بين ما يشعران به وما يفعلانه، يسمى أزمة ثقة شخصية وكذا علاقة استراتيجية مستقرة بين الدولتين. وهكذا يفترض بهذا أن يتم.
كل هذا لا شيء مقارنة بالغضب والضغينة اللذين بين بوتين وأوباما. فالرئيس الأمريكي كان مستعدا لان يقضي اجازة زوجية شاملة لكل شيء مع الزوجين نتنياهو، بما في ذلك يئير، في قيساريا، مع رب المنزل وكل الفريق، فقط كي يمتنع عن اللقاء مع بوتين. لم يخفِ الناطقون بلسانهما العداء حين تحدثوا عن أهمية اللقاء بين الرجلين في نيويورك هذا الاسبوع، بل ان الناطق بلسان أوباما دخل في وصف الوقفة التي فعلها بوتين في اللقاء مع نتنياهو كي يعرضه في ضوء شبه ساخر.
كل واحد منهم، من الناطقين، عرض تشديدا آخر للقاء. ديمتري بسكوف، الناطق بلسان بوتين، شدد على الوضع في سوريا بصفته هدف اللقاء، بينما جوش آرنست، الناطق بلسان أوباما، تحدث عن الوضع في اوكرانيا، والذي في اعقابه فرضت الولايات المتحدة سلسلة من العقوبات والقيود الاقتصادية على روسيا وعلى مسؤولين كبار في الدولة.
وهما سيبحثان الموضوعين بالطبع. ولعبة الكبار تتضمن وضع بضع اوراق على الطاولة. ما لا يجري الحديث فيه في اللقاء ولكنه سيحوم فوقه هو لعبة الوظائف وحقيقة أن بوتين استغل اخفاقات أوباما في الشرق الاوسط كرافعة ذاتية وللدخول إلى اللعبة. وفوق كل الاعتبارات الاستراتيجية، التكتيكية، الاقتصادية والعسكرية في ادخال القوات العسكرية إلى روسيا، والتي لا تزال لا تقاتل احدا وفي هذه الاثناء تنشغل باستعراض التواجد، تقف مسألة الولاء. لقد ادخل بوتين قوات إلى سوريا كي يلمح بالشراكة في الشرق الاوسط: خلافا لأوباما الخوان والجبان، أنا أبقى مخلصا حتى النهاية. لا أهجر مثلما هجر أوباما مبارك او أترك لمصيرها تونس او ادير ظهر المجن لليمن، حين تقاتل قواتها على مدينة العاصمة في مواجهة فروع إيران بدعم من السعودية والتحالف.
بوتين، بالطبع، مخلص فقط لنفسه واحيانا لبلاده واحيانا ايضا للاخرين. هذه رسالة استفزازية حيال الرئيس الأمريكي، إذ في اللحظة التي قرر فيها أوباما في ذاك الحديث الذي استغرق 45 دقيقة مع الكلب في ساحة البيت الابيض، إلى جانب دنيس مكدانا، عدم الهجوم في سوريا وعرض الموضوع للاقرار في الكونغرس ـ دخل بوتين إلى الصورة. جلب الاسد وتفكيك معظم السلاح الكيميائي واصبح لاعبا ذا مغزى. الأمريكيون يهجرون والروس يأتون. اليوم عندما يراد الوصول إلى تفاهمات في مواضيع سوريا واليمن، ولنفترض حسب صيغة أن تتخلى السعودية عن سوريا وإيران تنسحب من اليمن، يأتون للحديث مع بوتين. فهو يمكنه أن يجلب شيئا ما، اما أوباما فلم يعد ذا صلة.
ولكن بوتين متعلق بأوباما ايضا. فهو موقع معه على صفقة النووي الاشكالية مع إيران. وفي مواضيع سوريا، يمكن لروسيا أن تتورط عسكريا دون تنسيق ودون تعاون. فمثلا، قد تكون هناك حاجة لخلق تفاهمات حول حرب مشتركة ضد داعش في سوريا، في ظل الامتناع عن انتقالها جنوبا، إلى الاردن، وعندها الانتقال إلى حكم منسق في سوريا أو تقسيم وحفظ المصالح الروسية في قاطع الشاطيء الذي يوجد تحت سيطرة العلويين.
الكل في عريشة الأمم المتحدة
وكل شيء يعود إلى صفقة النووي. مسؤولون كبار جدا في إسرائيل يعتقدون، بل وقالوا ايضا لنظراء في اوروبا، ان الصفقة هي مصدر موجة اللاجئين التي اجتاحت الاتحاد. ما الصلة، سألت محافل في العواصم الاوروبية المختلفة. والجواب هو التالي: في اللحظة التي وقعت فيها الصفقة، فهم السوريون ـ ولا سيما السنة والمسيحيون، اولئك الذين انتظروا كي يروا ماذا ستفعل الولايات المتحدة (لا شيء) ـ فهموا بانه تقرر مصيرهم، وان الاسد لن يذهب، وان بوتين دخل. هذا هو السبب الذي جعلهم يتوقفون عن انتظار اعمار الدولة. فقد يئسوا وقرروا البحث عن مكان ملجأ.
اللقاء بين بوتين وأوباما يأتي بالضبط في عيد العرش. الجميع يأتون إلى عريشة الأمم المتحدة للاحتفال بسبعين سنة على قيام المنظمة. رئيس وزراء الصين، بوتين، روحاني، ميركيل، وربما حتى الكوبي. كلهم يأتون لزيارة الأمم المتحدة قليلا ونيويورك كثيرا. هذا ما هو جميل في نيويورك. فهي ليست فقط المدينة الآسرة والتي تعج بالحياة اكثر من غيرها والمدينة اليهودية الاكبر في العالم، بل هي مدينة دولية ايضا. الكل يأتي إلى هناك. بسبب الأمم المتحدة. وكلهم يتجولون في المدينة. كوبي وعراقي، إيراني وإسرائيلي، روس واوكرانيون، فلسطينيون وآيسلنديون. يأكلون السوشي، يمسحون صحنا ويبحثون عن قهوة قصيرة. يأتون للزيارة، وربما لمشاهدة عرض، وربما لتقديم عرض.
ابو مازن سبق أن وعد، ولنتنياهو سجل من استخدام المرفقات ـ خرائط اوشفتس، رسومات قنابل وكتاب خامينئي. مشوق أن نعرف إذا كانت لديه فكرة، لامعة او ما هو جديد على الاطلاق. وهو سيتحدث عن مخاطر الاتفاق، سيتحدث إلى التاريخ. سيتحدث إلى الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة، سيعرض حججا واتهامات في مقابل ابو مازن.
في الشهر القادم سيبدأ الحديث عن الحقيقة. وهو سجلس مع أوباما في بداية تشرين الثاني، وبعده سيأتي وزير الدفاع يعلون ليجلس مع وزير الدفاع كارتر. سيتحدثان عما تحتاجه إسرائيل، بالمال وبالسلاح، وبالاساس ستحاول إسرائيل ان تدفع بقوة نحو خطة شاملة ضد شبكات الإرهاب الإيرانية. الخلايا الغافية في تايلندا، في قبرص، في جنوب أمريكا وفي لبنان. السلاح لحزب الله، تزويد السلاح الإيراني لمنظمات الإرهاب. وقال الأمريكيون انهم سيعالجون كل شيء بعد الاتفاق. وصلنا إلى الاختبار.
المشكلة في رحلة نتنياهو إلى الأمم المتحدة هي أنه يسافر برأس دفاعي. سيدافع عن أمته في انها مستعدة للسلام ـ وسيري الجميع كيف أن الكل ضدنا. رجاله، الذين استخفوا بمبادرة لبيد السياسية، لن يقدموا جوابا شافيا للسؤال، وماذا بالنسبة لمبادرتكم؟ كل مبادرة؟ نتنياهو مقتنع بانه يجب الانتظار. للانتخابات، لتغيير الواقع او للمسيح، من يأتي أولا.
معاريف 27/9/2015
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews