فضيحة «فولكسفاجن» توجه ضربة قاضية لـ «صنع في ألمانيا»

بالنسبة إلى كارولين رودر، كما هي الحال بالنسبة إلى كثير من الألمان، فإن فضيحة الانبعاثات الخاصة بشركة فولكسفاجن تُعتبر شخصية.

العاملة الشابة في المجال الخيري تقول، مُتحدّثة من وسط فرانكفورت، العاصمة المالية للبلاد "إنها كارثة. أشعر بالخذلان. شركة فولكسفاجن و(شركات صناعة السيارات الألمانية) الأخرى كانت شركات شعرت بأنني أستطيع الإيمان بها، لكن شركة فولكسفاجن قد دمّرت هذه الصورة بالنسبة إلي". وتُضيف "هذا الأمر ألحق الضرر بأعمالها، وألحق الضرر بصورتها، وفي النهاية ألحق الضرر بالناس".

رأيها يعبر عن اتجاه مشترك على نطاق واسع - وإن لم يكُن يشعر به الجميع بلا استثناء. وسائل الإعلام مُتحدة تقريباً في التحذير من أن الكشف بأن شركة فولكسفاجن كانت تغش في اختبارات الانبعاثات في الولايات المتحدة لأعوام، يُمكن أن يؤثر في رأي العالم بعلامة "صُنع في ألمانيا" - سمعة البلاد فيما يتعلّق بالجودة، خاصة في مجال التصنيع.

"بيلد" الصحيفة الشعبية الأكثر مبيعاً، قالت هذا الأسبوع في مقالتها الافتتاحية "إن ما جعل ألمانيا عظيمة هو مهاراتنا الهندسية - والثقة بشركات بناء آلاتنا... الثقة الآن في خطر مباشر".

القادة السياسيون من المستشارة أنجيلا ميركل حتى أدنى المستويات طالبوا الشركة باتخاذ إجراءات تصحيحية سريعة، خصوصا بهدف حماية سمعة الشركات الألمانية الأخرى.

قال زيجمار جابريل، وزير الاقتصاد "نحن نشعر بالقلق من أن السمعة الممتازة بشكل مُبرّر لصناعة السيارات الألمانية، خاصة سمعة شركة فولكسفاجن تتعرض للأذى".

بعض مختصي التسويق يتّفقون على أن الضرر الناجم عن الفضيحة يُمكن أن يمتد بسهولة إلى أبعد من شركة فولكسفاجن، حيث استقال الرئيس التنفيذي يوم الأربعاء الماضي.

شركتا بي إم دبليو وديملر، اثنتان من الشركات الأخرى التي تُمثّل معايير الهندسة الألمانية، تُنتجان أيضاً سيارات ذات محرّكات تعمل بالديزل - السيارات التي هي باتت محركاتها الآن محور القضية.

دورين بيك، أستاذة التسويق في جامعة برلين الحرّة، هي ضمن المجموعة المُتشائمة بشكل راسخ "أنا أعتقد أن هذا سيُحدث الضرر بشكل سيئ بصورة (صُنع في ألمانيا). (فولكسفاجن) تعتبر مرادفاً لما هو الأفضل في ألمانيا - الصدق والموثوقية والكفاءة".

وتُضيف "ما يهُم فعلاً هو ما إذا كان الألمان يعتبرون هذا الأمر يؤثر فيهم شخصياً، لأنهم يملكون سيارة فولكسفاجن أو لأنهم يعتقدون أن البيئة هنا قد تلوّثت".

مع ذلك، تذكر أن الهجوم القانوني القوي من السلطات الأمريكية، التي كشفت عملية الغش، يُمكن أن يدفع الألمان نحو رد فعل "وطني قليلاً أو باتجاه دفاعي". "سيتساءل الأشخاص لماذا يهاجم الأمريكيون - الذين لا يهتمون فعلاً بالبيئة - مؤسسة ألمانية"؟

ويُجادل آخرون بأن التاريخ يُظهر أن الشركات تستطيع النجاة حتى من أكبر الفضائح طالما كانت تستجيب بشكل صحيح، وأن الضرر بالسمعة نادراً ما يتجاوز الشركة المُتّهمة بالجريمة.

يقول سفين راينيكي، مدير معهد التسويق في جامعة سانت جالن في سويسرا، "إن هذه الفضيحة تُلحق الضرر بشركة فولكسفاجن لكنها لا تُلحق الضرر بعلامة (صُنع في ألمانيا) على الإطلاق.

صور البلدان تدوم لمدة طويلة. حيث لا يزال الناس يربطون ألمانيا بهتلر، فضلاً عن ربطها بميركل. بإمكانك أن ترى مقدار الوقت الذي يلزم لتغيير أي صورة".

ويُضيف "أما بالنسبة إلى شركة فولكسفاجن نفسها، هذا يعتمد على كيف ستتعامل مع القضية. إذا تعاملت معها بشكل سيئ فهذا سيُدّمر العلامة التجارية، لكن إذا تعاملت معها بشكل جيد، فعندها لن يحصل ذلك". هناك كثير من الأمثلة على الشركات الألمانية، التي كانت قادرة على إعادة بناء ثقة المستثمرين والزبائن بعد الأزمة وذهاب الإدارة.

"باير"، مجموعة المواد الكيميائية، تزعزعت في عام 2001 عندما تبيّن أن دواءها، ليبوباي، لعلاج الكوليسترول الذي يلقى إقبالاً شديداً، لديه آثار جانبية خطيرة.

وقد دفعت الشركة 1.1 مليار دولار لتسوية نحو ثلاثة آلاف قضية، واستبدلت الإدارة، وقامت بإعادة هيكلة شاملة لأعمالها، وهي الآن أكبر شركة في ألمانيا من حيث القيمة السوقية.

"سيمنز"، مجموعة الإلكترونيات، كان عليها إنفاق ملياري دولار كغرامات ودفعات استشارية بعد الاكتشاف في عام 2006 أن أموال الرشوة كانت تُستخدم لدفع الرشا للفوز بالعقود. التحقيق الناتج هزّ الشركة في صميمها، وأدى إلى مغادرة العشرات من كبار المديرين، وإجراء مراجعة شاملة لأنظمة الامتثال.

في عام 2010، دفعت شركة ديملر نحو 200 مليون دولار كعقوبات لتسوية الاتهامات الأمريكية، بأنها تدفع الرشا بانتظام لمسؤولين في بلدان أجنبية. وقد استجابت من خلال تعيين قاض ألماني سابق في مجلس إدارتها للاهتمام بـ "قضايا النزاهة والقضايا القانونية".

شركة فولكسفاجن تعرف من ماضيها الخاص كيف يُمكن للفضحية أن تُلحق الضرر بالشركة. لقد سُجن زعيم عمالي سابق في المجموعة في عام 2008 بعد إدانته في فضيحة رشوة، حيث أدين بتهمة قبوله نحو مليوني يورو كمكافآت غير قانونية، بعد التحقيق الذي كشف أيضاً أن نقود الشركة كانت تُستخدم من أجل الدفع للمومسات والعطلات، لمصلحة رؤساء اتحاد عمال فولكسفاجن.

القضية لم توقف المجموعة في سعيها لتحلّ محلّ شركة تويوتا باعتبارها أكبر شركة لصناعة السيارات في العالم، لكن الفضيحة الأخيرة هي أكثر خطورة بكثير، لأنها تؤثّر في ملايين الزبائن بشكل مباشر.

الأستاذ مارتن جورنيج، من معهد الأبحاث DIW في برلين، يقول "إذا استطاعت شركة فولكسفاجن توضيح الموقف، فلا يزال بإمكانها الحدّ من الضرر".

(المصدر : فاينانشال تايمز 2015-09-26)