دور الوزارة الجديدة فى الاقتصاد
أصبح من الثابت بعد خطاب تكليف السيد الرئيس للوزارة الجديدة , الدور التى ترغب الدولة ان تقوم به وزارة المهندس اسماعيل في الاقتصاد وخاصة من خلال السياسات المالية والنقدية
و التى تحتل مركزاً مهما فى الفترة القادمة، وذلك لضخامة المشكلات الاقتصادية من ناحية ، ولقصور الباعث الخاص الاستثمارى وحده عن مواجهة تلك المشكلات من ناحية أخرى.
الذي يعنينا هنا هو تحليل دور السياسة المالية الاقتصادى والاجتماعى الحقيقى في البلاد الآخذة في النمو (كمصر ) وعدم قصره على تقليص عجز الموازنة كسياسة مالية محايدة استمرت دوما دون جدوى ، وذلك لأن عليها المسئولية الأكبر في مواجهة المشكلات الاقتصادية والاجتماعى كما اكد الرئيس فى خطاب التكليف . وايضا لمحدودية دور السياسة النقدية عندنا الى حد كبير فى التأثير على المجتمع الادخارى و الاستهلاكى، رغم وجود بنك مركزي قوي ومستقل، إلا أن الأمر يعود في المقام الأول إلى عدم كفاية الجهاز النقدي إذا ما قورن بحجمه في الدول المتقدمة.
هذا بالإضافة إلى عدم استجابة الجمهور لبعض السياسات النقدية وأدواتها ، مثل الإيداع في البنوك أثر تغير أسعار الفائدة بالارتفاع أو الانخفاض أو تغيير شروط الإئتمان ، فإن مثل هذه الإجراءات لا تنتج أثراً كبيراً في تفضيل السيولة من عدمه (إلا في حالات استثنائية مثل تمويل مشروع حفر قناة السويس الجديدة) فالوسائل النقدية ليست لها فاعلية كبيرة في البلاد الأخذة في النمو كمصر لأسباب وعادات اجتماعية موروثة، هذا بالإضافة إلى أن رقابة البنك المركزي على العناصر النقدية والائتمانية ما زالت محدودة في مصر, وانشغاله بتدبير العملة لتغطية الفجوة الاستيرادية الملحة و خوضه معركة الدولار للحد من ارتفاع سعره أمام الجنيه وما قد يترتب على ذلك من عواقب وخيمة تضخمية ، وهي فى الحقيقة سمة من سمات النظم النقدية في أي دولة آخذة فى النمو, ولا يلام البنك المركزى عليها كثيرا. لسنا هنا بصدد تعريف الفرق بين الدول الأخذة في النمو والدول المتقدمة ، غير أنه من اللازم أن ننبه إلى أن مشكلات الدول الأخذة في النمو ليست مشكلات اقتصادية بحتة, فبالإضافة إلى الجانب الاقتصادي ، نجد لها عندنا جوانب اجتماعية وثقافية وأخرى إنسانية، هي جوانب متعددة تشمل جوانب الحياة ذاتها كظواهر عامة , في مصر كأي بلد في مرحلة النمو. ومع ذلك فيظل الجانب الاقتصادي لمشكلة مصر مهما ويزيد من أهميته أنه يؤثر في جوانب الحياة الأخرى من تعليم وصحة وفقر ، إما لاتصال السبب بالنتيجة أو لاتصال النتيجة بالسبب , وهذا كان مضمون خطاب تكليف السيد الرئيس للوزارة الجديدة.
نخلص مما سبق إلى أن السياسة المالية وحدها ليست المسئول الأول والأخير عن التنمية الاقتصادية التى نهدف إليها والتى كانت محور عمل الوزارة السابقة ، غير أنها ومع ذلك ، وخاصة في الجانب المالي منها، هى وثيقة الصلة بالسياسات غير الاقتصادية إذ أن هذه السياسات تعتمد كلها في الأساس على منهج السياسة المالية المتبع , والتى لم يكن فى رأيي تناسق كامل بين الجهات المالية و النقدية القائمة على تنفيذها فى حكومة المهندس محلب الوطنى المجتهد.
ولقد ازدادت أهمية السياسة المالية في الفترة الأخيرة مع ظهور فكر التنمية الاقتصادية المستدامة مرة اخرى , ومع الالتزام المعلن من جانب إدارة الرئيس السيسي بمسئولية الدولة من جديد عن التنمية الشاملة جنباً إلى جنب مع القطاع الخاص. بحيث ازداد حجم الكميات المالية المطلوبة للتنمية و الإصلاح الاقتصادى في الأعوام القليلة الماضية، وأصبحت لها أغراض غير مالية سواءً كانت اقتصادية أم اجتماعية أم حتى أمنية (محلية أو خارجية) حتى انتهت سياسية و علاقات تعاون دولية أيضا.
علاوة على استمرار مراحل التخطيط المالي بحيث شكلت الخطة المالية وثيقة تقدير وأمراً بالتنفيذ ، لأنها فوق كونها تقديرا لكميات مالية مستقبلية ضرورية للنمو المطلوب، فهي الآن مجموعة من الأوامر تصدر للقائمين على الإنتاج (قطاع عام وبالتالي القطاع الخاص) ضرورية للنمو و الإصلاح الشامل وليس كما كان متبعا من قبل من سياسة رتق الثوب المعيبة. ولذلك وجب على الوزارة الجديدة وهى بصدد دراسة السياسة الاقتصادية الجديدة بشكل عام والمالية بشكل خاص، أن تفرق بين أدواتها التي تصب في الميزانية, وتلك التي تصب في خطة التنمية القومية الشاملة فى الفترة القليلة المقبلة قبل انتخابات البرلمان لكى تنال ثقة الشعب.
وهنا يجب أن ننبه إلى أن الخطة يجب ان تكون غير مقصورة على بعض الميادين وتاركة البعض الآخر، بل هي تشتمل على جميع الأنشطة الاقتصادية الكلية والجزئية لتمتد من الاستثمارات العامة إلى الاستثمارات الخاصة أيضاً، ويعود المفاضلة بين هذه الصور إلى اعتبارات المذهب الذي سوف تستلهمه الادارة الاقتصادية الجديدة ورؤيتها الفنية لدور الدولة والقطاع الخاص في المرحلة القادمة.
لكن يظل في النهاية, ومن المؤكد , أن الوزارة الجديدة سوف تستخدم السياسة المالية التي تستهدف تنمية مصر فى شكل التخطيط المالي الذى لا يظلم الفقراء كما أكد الرئيس على أعضاء مجلس الوزراء الجدد، بحيث أصبح واجباً على الدولة دون غيرها أن تلتزم بما تقتضيه فكرة التخطيط الشامل لمستقبل الوطن والذى يحقق التنمية المستدامة ويضمن حقوق الفقراء ويستوعب كل شركاء الوطن (من مجتمع الملايين و أصحاب الملايين) تحت مظلة أي مذهب اقتصادي سوف يتبع الآن وفى المستقبل بعد انتخاب مجلس النواب الجديد , والذى سوف يشكل الصورة الأوضح لهوية السياسات الاقتصادية المصرية المبهمة نسبيا الآن.
(المصدر: الأهرام 2015-09-26)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews