الدب الروسي يسرق عسل الملالي!
عندما اندلعت ثورة السوريين في وجه نظام الأسد عام 2011، سارع ملالي إيران إلى مناصرة حليفهم في دمشق، في خطوة بدت وكأنها استمرار لموقفهم التقليدي في مناصرة نظام والده الميت حافظ الأسد، فقدموا له كل مقومات البقاء، وساعدوه من أجل مواجهة ثورة السوريين بالنفط والمال والسلاح والخبراء، قبل أن يدفعوا أنصارهم من حزب الله والميليشيات الشيعية العراقية وعصابات أخرى للقتال إلى جانبه، في مواجهة التشكيلات المسلحة التي نظمها السوريون من متطوعين وعسكريين منشقين، للدفاع عن الحواضن الاجتماعية للثورة، ثم دفع نظام الملالي حلفاءه، وفي مقدمتهم النظام العراقي، لمساعدة حليفه في دمشق.
ولأن حليف الملالي لم يحقق أهدافه في إعادة السوريين إلى بيت الطاعة، وبسبب تراجع قواته عن مناطق متزايدة من الأراضي السورية، قرر ملالي طهران، أن يدفعوا بقوات من نخبة قواتهم، بينهم مجموعات من الحرس الثوري ومن فيلق القدس، إضافة إلى زيادة أعداد الخبراء العسكريين والأمنيين والتقنيين لمساعدة الآلة العسكرية - الأمنية السورية في الاحتفاظ بسيطرتها على مناطق وجودها، والهجوم على مناطق سيطرة المعارضة المسلحة.
ومثلما فعل ملالي إيران، فإن روسيا المعروفة بعلاقاتها التقليدية مع نظام الأسد، بادرت هي الأخرى بالوقوف إلى جانب النظام، مقدمة له الدعم السياسي والعسكري، عبر المؤسسات الدولية، وخصوصًا في مجلس الأمن، لمنع أي قرارات من شأنها إدانة سياسات النظام وممارساته، الأمر الذي تم بالتزامن مع سيل المساعدات العسكرية، بما فيها من معدات وأسلحة وذخائر.
ورغم المساعدات الهائلة السياسية والعسكرية والاقتصادية، التي قدمها الإيرانيون وأدواتهم وحلفاؤهم، وما قدمته روسيا، فإن نظام الأسد تراجع سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا، وتراجعت قدراته سواء في الاحتفاظ بالمناطق التي يسيطر عليها، وفي عدم قدرته على استعادة مناطق خارج سيطرته بمساعدة داعميه، وتعدى الأمر ذلك إلى تصاعد أزماته الداخلية، التي كان الأبرز من معالمها تصاعد الصراعات في مؤسسته العسكرية - الأمنية، فيما حصلت تشققات في حاضنته الاجتماعية وصراعات في صفوف تكويناتها، وصار عاجزًا عن توفير الطاقة البشرية اللازمة لآلته العسكرية والأمنية، وكلها مؤشرات إلى احتمال سقوط مفاجئ قد يصيب النظام.
لقد أسست إيران على مدى سنوات طويلة وجودًا عميقًا في سوريا، ثم كثفت ونظمت هذا الوجود، ليس في تعزيز قواتها العسكرية والأمنية المباشرة، وعبر وجود أنصارها من الميليشيات فقط، بل أضافت إلى ذلك إقامة روابط مع بنى اجتماعية وشخصيات نخبوية داخل النظام ومؤسساته وخارجه، ودفعت إلى تكوين تجمعات بشرية من وافدين أغلبهم من الشيعة، بينهم إيرانيون وأفغان وعراقيون ولبنانيون وغيرهم ممن تمركزوا في أحياء دمشق، لا سيما حي الأمين وحي الجورة وحي العمارة، وفي ريف دمشق الجنوبي في مدينة السيدة زينب ومحيطها، وفي الخلاصة صار الوجود الإيراني العميق قوة قادرة على الفعل والتأثير في واقع النظام والمناطق الخاضعة له، ولعل أحد تعبيرات الوجود العميق لإيران قيامها بالتفاوض مع المعارضة المسلحة في الفترة الأخيرة، حول الهدنة في الزبداني وكفريا والفوعا بمعزل عن النظام ووكيلاً عنه.
ولا يحتاج إلى تأكيد قول إن الوجود الإيراني العميق أثار قلق الحليف الروسي للنظام، الذي يمكن أن يخرج خالي الوفاض في حالة سقوط نظام الأسد، أو حصول تسوية تحافظ على الأسد أو تكون من دونه، وهو ما يمكن أن يفسر سر الهجمة الروسية المفاجئة لتثبيت وجود عسكري استراتيجي كثيف.
لقد أحست موسكو أن إيران توشك أن تقطف عسلها في سوريا، فقرر الدب الروسي الاستيلاء على عسل الملالي، أو على الأقل مشاركتهم فيه بحصة أكبر، حتى لا يخرج خالي الوفاض بعد كل ما قدمه للحصول على مكاسب من مواقفه في دعم نظام الأسد.
(المصدر: الشرق الأوسط 2015-09-25)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews