العقوبات ومخالب الدب الروسي
لا حرب بين الغرب وروسيا . لا باردة ولا ساخنة . لقد ولّت من زمان في معادلة توازن الرعب النووي . الحرب بوسائل اقتصادية هي القائمة ولم تتوقف يوماً حتى بين دول الغرب الصناعي .
وعلينا انتظار مزيد من العقوبات الأمريكية والأوروبية على روسيا، على خلفية ضم الأخيرة شبه جزيرة القرم إليها من كنف أوكرانيا . واجتماع جنيف الخميس الماضي لا يشي بتقدم يذكر .
لكن هذه التطورات تستدعي أكثر من سؤال: ما المدى الذي يمكن أن تبلغه تلك العقوبات وتأثيرها في روسيا، ما دام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ماضياً في تصعيده، وصولاً إلى مناطق جديدة في شرق أوكرانيا معظمها من القومية الروسية؟ ما تداعيات العقوبات على دول الاتحاد الأوروبي نفسه؟ وهل يمكن للولايات المتحدة حمل دول الاتحاد على تصعيد العقوبات لتشمل قطاعات المال والمصارف والاستثمارات، حيث المصالح الأوروبية؟ لو كان الجواب بالإيجاب فماذا عن الاقتصاد العالمي الذي بالكاد خرج من أسوأ ازمة منذ ثلاثينات القرن الماضي؟
نقرأ من مسار أحداث أوكرانيا أن بوتين لن يتراجع . القرم عادت إلى مظلة روسيا على فظاعة أمر كهذا في القرن الحادي والعشرين . الأنباء الواردة عن تحركات مسلحة خطرة في مدن أخرى من سلافيانسك شرقي أوكرانيا تنبئ بأن بوتين لم يكتف بعد . ويتحدى العقوبات الاقتصادية الأوروبية والأمريكية . الغاز سلاح قوي في يده على أقرانه في غرب أوروبا . لكنه ليس كافياً . الاقتصاد الروسي من تريليوني دولار أمريكي وهو الثامن عالمياً، يرتقب أن يتراجع معدل نموه بحسب البنك الدولي إلى 3 .1 في المئة 2014 . وقد يكون عرضة لخفض آخر في حال تمددت العقوبات إلى صلب الاقتصاد الذي يرزح تحت وطأة مركزية قوية من الكرملين، وإن بنمط الاقتصاد الرأسمالي منذ انهيار الاتحاد السوفييتي .
حتى اليوم هو اقتصاد الموارد الطبيعية وليس اقتصاد السلع والخدمات . من الغاز والنفط تأتي فوائض الميزان التجاري الروسي . المصرف المركزي الروسي يقدر خروج أكثر من 55 مليار دولار أمريكي رؤوس أموال من البلاد في الربع الأول من 2014 . وتراجع الروبل أكثر من 10 في المئة جراء أحداث القرم . بحسب المفوضية الأوروبية 75 في المئة من الاستثمارات المباشرة في روسيا أوروبية . قد لا تعتدّ روسيا بصادراتها إلى الولايات المتحدة على أهميتها من 27 مليار دولار أمريكي وتستورد بواقع 11 ملياراً . بيد أن الاتحاد الأوروبي شريكها التجاري الأول تصدر إليه بواقع 292 مليار دولار أمريكي، وتستورد منه بواقع 16 ملياراً . اللافت هنا أن واردات روسيا هي لزوم محركات الإنتاج الصناعي لديها وخدمات الاتصالات والتكنولوجيا وغيرها . وهذا ما لا يمكن روسيا الاستغناء عنه لو طوّر الاتحاد الأوروبي العقوبات الاقتصادية .
يستبعد أن تنتهي سياسة بوتين الخطرة بلا تداعيات سياسية واقتصادية على وضعه داخل روسيا سلباً أو إيجابا . أو بلا تغيرات جيوسياسية في منطقة الأورال وقزوين والبلطيق . يراهن بوتين على أن الاتحاد الأوروبي لن يصل إلى تصعيد العقوبات إلى مرحلة إلحاق الأذى الخطر بالمصالح الروسية . فبدأ يضرب تحت الحزام . ويعتقد أن الاتحاد الأوروبي لم يتعاف نهائياً بعد من آثار الركود . والاتحاد مع منطقة اليورو مثقلان ديناً وتباطؤاً اقتصاديين، ولا يحتملان عبء إنقاذ أوكرانيا المفلسة مالياً وبنمو قريب من الصفر . يعلم بوتين أيضاً أن تناقضات المصالح داخل الاتحاد تحول دون وحدة الموقف من تصعيد العقوبات على روسيا . حين تؤثر مستشارة ألمانيا أنغيلا ميركل تغليب الدبلوماسية في أزمة القرم لا تنظر إلى 40 في المئة حصتها من صادرات روسيا من الغاز إلى الاتحاد الأوروبي فقط، بل إلى تفادي أي هزة جديدة تلحق بمنطقة اليورو . ربع صادرات 10 في المئة من الشركات الألمانية إلى روسيا . المملكة المتحدة لا حصة لها غازاً ونفطاً من روسيا . وهي الأقرب إلى الحليف الأمريكي .
مع ذلك قال رئيس وزرائها ديفيد كاميرون بصراحة، إن خروج المستثمرين الروس من بلاده يلحق ضرراً بالاقتصاد وبمركز لندن المالي . لدى الأوليغارشيا الروسية استثمارات واسعة في لندن . ويفيد تقرير في أكثر من صحيفة بريطانية بأن 9 في المئة من الشقق اللندنية فوق المليون استرليني التي بيعت في 2013 كانت لأثرياء روس . 27 في المئة من الطلبة الأجانب في المدارس البريطانية من عائلات روسية .
نحو 200 مليار دولار أمريكي وفرتها المصارف الأوروبية وبنك طوكيو ميتسوبيشي لرجال أعمال ومؤسسات روسية . ويمكن للمصارف الدائنة أن تواجه مشكلات جديدة في حال فرض عقوبات مالية ومصرفية مشددة على روسيا . من المفارقات، أنه مع تزامن العقوبات على روسيا في مارس/ آذار الماضي، كان عملاق المناجم الروسية ميتالوإنفست يحصل على 15 .1 مليار دولار أمريكي تسهيلات صادارات من مجموعة مصارف أوروبية . ويملك اليشر عثمانوف الملياردير المقرب من بوتين معظم أسهم الشركة المذكورة .
الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يقران بالدور الكبير الذي لعبته الدول الناشئة ومجموعة البريكس في الخروج النسبي من الأزمة الاقتصادية العالمية . روسيا عضو فاعل في المجموعتين . والأهم على مستوى الأمن والاستقرار الدولي . تصعيد العقوبات سيضر حتماً بتعافي الاقتصاد العالمي .
( الخليج 21/4/2014 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews