الهند ليست مؤهلة لمنافسة الصين .. الفأر لا يستطيع سحب الفيل
الهند المُشرقة تعود. على الأقل هذا ما سيجعل عديدا من الهنود المُغالين في الوصف يُصدّقه. مع تباطؤ اقتصاد الصين وانقلاب أسواقها ومؤهلات صنّاع السياسة فيها، تستعد الهند بشكل معقول لتسود باعتبارها الاقتصاد الكبير الأسرع نمواً في العالم. كثير من الهنود الذين ينشرون اللغة التي تُثير حملة "الهند تُشرق" التي تم استخدامها عندما كان حزب بهاراتيا جاناتا ـ الذي ينتمي له رئيس الوزراء ناريندرا مودي ـ في السلطة قبل عقد من الزمن، يرى أكثر من مجرد بصيص فرصة في مصائب الصين.
أرون جيتلي، وزير المالية، قال في مقابلة مع شبكة بي بي سي "أي اقتصاد ينمو بنسبة 8 إلى 9 في المائة مثل الهند، بالتأكيد يملك القدرة على توفير الدعم للاقتصاد العالمي". آدي جودريج، رئيس مجموعة السلع الاستهلاكية التي تحمل اسمه، قال إنه وقت مناسب بالنسبة إلى الهند كي "تُشرق". في واحدة من ملاحظات "تجاوز الصين"، جايانت سينها، وزير الدولة للشؤون المالية، قال إن دلهي مُستعدة "لأخذ عصا النمو العالمي" من بكين. وكان قد أخبر جمهورا بمرح في بيهار، إحدى الولايات الأكثر فقراً وجهلاً في الهند "في الأيام المقبلة، الهند ستتجاوز الصين فيما يتعلّق بمسألة النمو والتنمية".
في الظاهر، هناك مجال للتفاؤل. في الوقت الذي تسعى فيه الصين إلى خفض اعتمادها على الاستثمار المشحون بقوة، فإن اقتصادها سيتباطأ حتماً. رسمياً، النمو سينخفض إلى 7 في المائة هذا العام. وعلى الأرجح، يُمكن أن يتّجه بسرعة نحو 5 في المائة، أو أقل. في الوقت نفسه، من المتوقع أن تنمو الهند بنسبة 7.7 في المائة.
على عكس كثير من الاقتصادات الناشئة الأخرى، بما في ذلك البلدان أعضاء مجموعة بريكس (البرازيل، وروسيا، وجنوب إفريقيا، والهند)، الهند لم تكُن مدعومة من صادرات السلع الأساسية ذات الأسعار المرتفعة. وهذا يعني أنها لن تتعرّض للضغط بسبب تراجع السلع الأساسية الذي تُحرّكه الصين. بل على العكس تماما. الهند، ثالث أكبر مستورد للنفط في العالم، تستفيد كثيراً من تراجع أسعار النفط، الذي أدى إلى تحسين وضع الحساب الجاري فيها وتخفيف الضغوط التضخّمية. كذلك الهند ليست مُصدّرا كبير للسلع المُصنّعة. لذلك حتى إذا كان الطلب العالمي ضعيفا، فإن اقتصادها معزول نسبياً، لأن 57 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي يأتي من الاستهلاك الأسري.
مع ذلك، الفكرة التي تقول إن الهند تستعد لأن تُصبح الحدث الرئيسي في الاقتصاد العالمي هي فكرة ذات عيوب على أقل تقدير. إذا كانت تُنتج التهاون، فهذا أمر خطير بكل تأكيد. الآمال بأن الهند تستطيع أن تحل محل الصين باعتبارها مُحرّك النمو العالمي ليست دقيقة. من حيث القيمة الاسمية - المقياس الأنسب عند الحُكم على التأثير العالمي لأي اقتصاد - إنتاج الهند يعادل خُمس إنتاج الصين. وتُشكّل الهند 2.5 في المائة فقط من الناتج المحلي الإجمالي العالمي مقابل نسبة ضخمة تبلغ 13.5 في المائة بالنسبة إلى الصين. وإذا نمت الصين بنسبة 5 في المائة سنوياً، فإنها تُضيف بذلك اقتصادا بحجم الهند إلى إنتاجها الضحم بالفعل خلال أقل من أربعة أعوام. القول إن الهند تستطيع مماثلة هذا كالقول إن الفأر يستطيع سحب الفيل.
عند أخذ كل شيء في الحسبان، بالغ الناس في تفسير تقلّصات السوق في الصين. بالتأكيد، المحاولات الفاشلة لدعم البورصة والانتقال إلى سعر صرف أكثر مرونة زعزعت الثقة بالعصمة المُتصّورة لصناعة السياسة الصينية. بالتأكيد، أيضاً، أن الاضطرابات الأخيرة هي أعراض لمرض أعمق في الاقتصاد الصيني أثناء خوضه ألم الانتقال من نمو يقوده الاستثمار إلى نمو قائم على الاستهلاك. بالنسبة إلى الصين، أيام اللحاق السهل نسبياً قد انتهت. لكن شطب الصين أمر مُضلّل بشكل سيئ، لأن وراءها قوة دفع لتوسع مُذهل استمر على مدى 30 عاماً.
فكرة أن الهند ستتفوّق بدون جُهد على مستويات النمو الصينية تعد فكرة متعجرفة بشكل ميئوس منه. إحصاءات الهند مشكوك فيها بقدر الشكوك في إحصاءات الصين. كذلك ينسى الناس أن الهند في شباط (فبراير) الماضي فقط، غيّرت طريقة حسابها للناتج المحلي الإجمالي، ما أضاف أكثر من نقطتين مئويتين إلى معدل نموها الأساسي. حسب المقاييس القديمة، الهند لا تزال تتقدّم ببطء بنسبة غير مُثيرة للإعجاب تبلغ 5 في المائة.
النمو المُبالغ فيه يولّد شعورا زائفا بالأمان. هذا قد يُساعد على تفسير السبب وراء كون حكومة مودي بطيئة جداً في تحقيق الإصلاحات التي تمت الإشادة بها كثيراً. في هذه الدورة من البرلمان، لم يتم عمل أي شيء تقريباً. كان رئيس الوزراء غير قادر على سنّ ضريبة السلع والخدمات، التي يتفق مختصو الاقتصاد أن من شأنها جعل ممارسة أعمال تجارية عبر مجموعة متنوعة من الولايات أكثر سهولة. رئيس الوزراء الذي يواجه معارضة من المزارعين، تخلّى تقريباً عن إصلاح الأراضي، الأمر الذي كان من المُمكن أن يجعل بناء المصانع، والطرق، ومحطات توليد الطاقة أبسط. لذلك ممارسة العمل التجاري في الهند يستمر في كونه غير سهل على الإطلاق.
ومع أن الهند معزولة نسبيا عن الاقتصاد العالمي، إلا أن بعض السبب في هذا هو أنها لا تصنع كثيرا من الأشياء التي يعتبرها الآخرون جديرة بالشراء. بالنسبة إلى بلد يريد أن يكون المركز التصنيعي الذي يحل محل الصين، فهذه تبدو نقطة ضعف أكثر منها نقطة قوة.
لن تختفي أي مشكلة من هذه المشكلات لمجرد أن بعض الإحصائيات المشكوك فيها تقول إن الهند تنمو أسرع من الصين. يحسن بالمسؤولين الهنود أن يتوقفوا عن التشفي في الصين، وأن يبدأوا في تطبيق بعض التغييرات المفيدة.
(المصدر: فايننشال تايمز 2015-09-15)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews