المصرفيون يتحملون اللوم في صعود نجم السياسيين الشعبويين
أولئك الذين يشعرون بالحيرة من صعود جيرمي كوربين ينبغي أن يتذكّروا ما لم يحدث بعد أزمة عام 2008. كان من الممكن للأزمة الاقتصادية العالمية أن تعيد صياغة الرأسمالية الليبرالية. عوضا عن ذلك، النخبة المالية تمكنت من الإفلات تقريباً بدون أي أضرار والمؤسسة السياسية فرضت سياسة التقشف إلى أجل غير مُسمّى على الجماهير. لذلك ليس من المُستغرب أن الشعبويين من اليمين واليسار يُعيدون الآن كتابة قواعد السياسة. وينبغي إلقاء اللوم في ذلك على المصرفيين.
كوربين هو المُرشّح الأوفر حظاً لقيادة حزب العمال المُعارض في بريطانيا. بالطبع، قد يتبيّن أن استطلاعات الرأي خاطئة (مرة أخرى) عندما يتم الإعلان عن نتائج السباق في عطلة نهاية هذا الأسبوع. لكن حقيقة أنه مُنافس قوي للغاية تدُل على اضطراب في حزب فاز منذ فترة ليست ببعيدة بثلاثة انتخابات متتالية في عهد الوسطي، توني بلير. بعض الأسباب خاصة ببريطانيا. كذلك الغطرسة المُتهوّرة من إد ميليباند، الزعيم السابق، تتبادر إلى الأذهان. لكن كوربين أيضاً يدُل على الاضطراب الأوسع في الديمقراطيات المُتقدّمة.
كان الشعبويون يتقدّمون في جميع أنحاء أوروبا: من بينهم، حزب الجبهة الوطنية في فرنسا، وحزب خمس نجوم في إيطاليا، وحزب بوديموس في إسبانيا، وحزب الديمقراطيون الجُدد وحزب الفنلنديون الحقيقيون في الدول الاسكندنافية، وحزب سيريزا في اليونانن، وحزب الاستقلال في بريطانيا. وكوربين جزء من هذه الحركة. كذلك هو، بطريقة ما، دونالد ترامب، الملياردير المغرد خارج السرب الذي يقود السباق للفوز بترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة. هناك نقطة على الطيف السياسي الأوروبي حيث يتلاقى المُتطرّفون من اليمين واليسار: تحالف القوميون مع الاشتراكيين في ثورة ضد الوضع الراهن. كان اسمها في الماضي الاشتراكية القومية. أحد الأطراف يلوِّح بالعلم، والآخر يُطالب بدولة أكبر. وكلاهما يُعارض الغرباء - اليمين ضد المهاجرين، واليسار ضد الرأسمالية الدولية.
كذلك يتشاركان في بقعة معتدلة من السلطوية، وتوق لتوجيه الدولة للاقتصاد، واهتمام غيور بالسيادة القومية. كما يستفيدان من استياء الذين تُركوا في الخلف بسبب التغيير. وفوق كل شيء، هما ضد الوضع الراهن - سواء السياسات الوسطية، أو الاتحاد الأوروبي، أو العولمة، أو وول ستريت.
الانقسامات القديمة تُصبح غائمة. هذا ما حدث في كثير من أنحاء أوروبا، حيث الركود الاقتصادي تبعه تدفّق اللاجئين من سورية وما وراءها. النظام القديم تقطّعت به السُبل بين المفاهيم القديمة للإنسانية والتضامن والخوف من ردة فعل شعبية. حزب الجبهة الوطنية المُعادي للأجانب، بقيادة مارين لوبان، يفوز على الاشتراكيين المُحبطين الذين يحبّون علامتها التجارية لرأسمالية الدولة. حلفاء كوربين يروّجونه باعتباره مُناهضا للاتحاد الأوروبي، ذا جاذبية بين أنصار حزب الاستقلال البريطاني المُناهض للهجرة من الطبقة العاملة.
رئيس الوزراء اليساري المُتطرّف في اليونان، أليكسيس تسيبراس، يُفكّر في علاقة أوثق مع موسكو. وكوربين يُلقي اللوم على الولايات المتحدة بسبب غزو أوكرانيا من قِبل فلاديمير بودين، ولوبان تشكُر الرئيس الروسي على مساعداته المالية. في أوروبا الشرقية والوسطى يثور القوميون ضد التخفيف المُفترض لتراث القارة المسيحي من قِبل أولئك الهاربين من أهوال سورية.
لكن في بريطانيا وأمريكا، كوربين يُدين الرأسمالية المالية ويدعو إلى تأميم الصناعات الاستراتيجية. وترامب يوجه الانتقادات السريعة إلى صناديق التحوّط ويجمع بين كراهية الأجانب، الكريهة، والدعوة إلى زيادة الضرائب على الأغنياء. الرسالة المُشتركة هي أن الأشخاص البُسطاء خُذِلوا بسبب المؤسسة التي تتمتّع بامتياز.
كوربين سياسي ذكي. لقد عمل جاهداً لنشر صورة من الاعتدال المتعقل، ويخاطب المثاليين الشباب فضلاً عن الماركسيين الكبار. لاستعارة قول مأثور مُبتذل، فهو بارع في ادعاء الإخلاص. في الحقيقة، هناك جو من التهديد بشأن حملته. إما أن تكون مواليا لا جدال فيه وإما شخصا حقيرا من حزب المُحافظين.
يقول إن اليسار يسعى من أجل السلام وحقوق الإنسان - طالما لا نتحدث عن روسيا، أو كوبا، أو فنزويلا، أو حماس، أو حزب الله. الوصف الدقيق للسياسة الخارجية لكوربين هو عداء أعمى للولايات المتحدة. في إطاره الملتوي للتكافؤ الأخلاقي، فإن قتل أسامة بن لادن يجب أن يوضع مقابل الاعتداء الإرهابي لأحداث 11/9، أو الحصار الأمريكي لمدينة الفلوجة في العراق مقابل شر "داعش".
ليس كل ما يتعلّق بمنصته المحلية يُعتبر أمرا مجنونا. فهناك حجة قوية ضد سياسة التقشّف إلى أجل غير مُسمّى والتفاني الحالي للميزانيات المتوازنة، وحجة لمصلحة إجراء أكثر صرامة ضد الاحتكارات وفرض قيود صارمة على التهرب الضريبي. مع ذلك، عند وضع عناصر بيانه معاً، لا يُصبح أكثر من مجرد سلسلة من الدوافع لخدمة مصالح ذاتية مُتأصّلة في الحنين إلى مثالية اشتراكية لم تكُن موجودة من قبل أصلا.
المشكلة هي أن الشعبويين اكتشفوا شيئاً ما. النخبة الحالية في الأحزاب تدفع ثمن تردّدها - بسبب الإعلان بعد الأزمة أن الأشخاص البُسطاء ينبغي أن يدفعوا تكاليف التهور المالي بينما المُجرمون لم يتأثّروا.
حين نقول إن الرأسمالية أفضل من جميع البدائل، فإن هذا لا ينبغي أن يعني أن الأمور يجب أن تبقى على حالها. العلامة التجارية للرأسمالية التي لا يكبح جماحها التي تعطي جميع مكاسب الأسواق المفتوحة والتكامل الاقتصادي إلى فئة أعلى 1 في المائة، وفي الوقت نفسه تكوم التقشف وانعدام الأمن على بقية الناس، غير قابلة للاستدامة من الناحية السياسية.
من عدة اعتبارات، المفاجأة الكبرى في حركة التمرد الشعبوية هي أنها لم تكن أكبر من ذلك. في عصر آخر، كان يمكن لانهيار 2008 أن يشعل فتيل ثورة. بدلا من ذلك، نجد أن كوربين ومن لف لفه هم الآن يعبرون عن غليان الاستياء الشعبي. ليست لديهم أجوبة. وكثير منهم لا يفعل شيئا سوى تقديم المواعظ من أجل كره الغريب. لكنهم فهموا أن شيئا ما لا بد أن يتراجع.
(المصدر: فايننشال تايمز 2015-09-13)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews