استمرار انخفاض أسعار الفائدة ضرورة لتعافي الاقتصاد العالمي
ما مدى قُرب مجلس الاحتياطي الفيدرالي "البنك المركزي الأمريكي" من تطبيع السياسة النقدية؟ هذا هو السؤال الذي أطلقه ستانلي فيشر، نائب رئيس مجلس البنك في ندوة جاكسون هول.
إذن هل سيرفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة هذا الشهر، هو السؤال الآخر المتولد عن ذاك؟ فيما يتعلق بهذا الأمر، أستطيع التخمين فقط - وذلك التخمين هو لا. هناك سؤال آخر ما إذا كان ينبغي لمجلس الاحتياطي الفيدرالي رفع أسعار الفائدة هذا الشهر. جوابي عن ذلك أيضاً هو لا.
الرفع لمرة واحدة في حد ذاته قد يبدو غير مهم. سعر فائدة التدخّل من "الاحتياطي الفيدرالي "كانت 0.25 في المائة منذ كانون الأول (ديسمبر) من عام 2008. لا بد أن نشك في أن رفعها إلى 0.5 في المائة سيكون أمراً مهماً. لاحظ أن سعر الفائدة الأساسي في بنك إنجلترا كان 0.5 في المائة طوال فترة الأزمة. هذه النقطة صحيحة، لكنها محدودة جداً.
أي زيادة ستكون مهمة: أولاً، هي قد تُشير إلى اعتقاد مجلس الاحتياطي الفيدرالي أنه يُمكن "تطبيع" السياسة بعد نحو سبعة أعوام من الشفاء ما بعد الأزمة؛ ثانياً، قد تُشير إلى بداية دورة تشديد.
أحد الأسباب لتصديق الفكرة الأخيرة هو أن هذه هي الطريقة التي يتصرّف بها الاحتياطي الفيدرالي تاريخياً: آخر دورة مثل هذه بدأت مع أسعار فائدة تبلغ 1 في المائة في حزيران (يونيو) من عام 2004 وانتهت بأسعار فائدة تبلغ 5.25 في المائة بعد عامين.
بدون شك، بدء دورة تشديد للمرة الأولى منذ أكثر من 11 عاماً، من شأنه أن يكون لحظة مهمة. كما سيشير أيضاً إلى أكثر من مجرد ارتفاع فوري في أسعار الفائدة.
الوجهة المُحتملة وسرعة السفر هي أيضاً بمثابة ألغاز لأن الاقتصاد الأمريكي لا يتصرّف بشكل طبيعي. بعد ما يُقارب سبعة أعوام من أسعار الفائدة القريبة من الصفر، فإن التضخم الذي حذّر منه النقّاد لا يراه أحد. وهذا أمر غير طبيعي.
لنفس السبب، التوقيت الصحيح لذلك التشديد الأول يبقى غير مؤكد. صحيح أن معدل البطالة انخفض في الولايات المتحدة إلى 5.1 في المائة. وصحيح أن القطاع الخاص أضاف 13.1 مليون وظيفة على مدى 66 شهرا.
التضخم الأساسي هو أقل من 2 في المائة بشكل لا يتزحزح، وتوقعات التضخم هي تحت السيطرة، والناتج المحلي الإجمالي الاسمي ينمو بثبات بنسبة تبلغ نحو 4 في المائة. القليل من هذا يُشير إلى وجود حاجة مُلحّة للتشديد. أي بنك مركزي يستهدف التضخم غير مُضطر إلى اتخاذ إجراءات بسبب البيانات.
هناك حاجة إلى منظور أوسع من هذا، خاصة أن أي تشديد أول هو أمر مهم للغاية. كما أن هناك شرطا ضرورويا للقيام بهذه الخطوة، وهو الثقة بأنه لن تكون هناك حاجة إلى عكسه في المستقبل القريب، لكن من المهم في الوقت الحالي وجود مثل هذه الثقة.
هذا أمر مهم بشكل خاص عندما تكون أسعار الفائدة قريبة من الصفر. كما سيكون مرغوباً التحرّك أعلى من هذا المستوى لخلق مجال للمناورة في المستقبل. لكن، إذا كان احتمال التشديد المُستمر قد يُضعف الاقتصاد، فإن مجلس الاحتياطي الفيدرالي قد يضطر إلى العودة إلى الوضع الأدنى في ظروف أسوأ. بحسب تعبير أندي هالدين من بنك إنجلترا، "فإن رفع منحنى العائد قد يزيد في حد ذاته من احتمال الركود".
إذن، القرار بشأن موعد رفع أسعار الفائدة يجب أن يُنظر إليه قرار يتعلق بإدارة المخاطر في إطار الفوائد غير المتماثلة: إذا جاء قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي بعد الوقت المناسب، فإن التضخم قد يرتفع؛ وإذا جاء قرار "الاحتياطي الفيدرالي" قبل أوانه، فإنه قد يُقلل من مجال المناورة في المستقبل. نظراً لقوة الدولار، التي من المحتمل أن تستمر، والاضطراب الحالي في السوق، فإن التوازن واضح: من الضروري أن نكون أكثر ثقة من الآن بأن دورة التشديد ستُثبت أنها مُستدامة.
إضافة إلى ذلك، وجهة النظر بأن أسعار الفائدة الحقيقية المنخفضة هي سمة طويلة الأجل للاقتصاد العالمي تبدو معقولة تماماً. الأحداث في الصين تُشير إلى أن الظروف قد تُصبح أسوأ بكثير. في الواقع، أسعار الفائدة المنخفضة للغاية هذه تبدو أسعار الفائدة الأقل على الإطلاق. مع ذلك، إذا بقيت أسعار الفائدة ومعدل التضخم منخفضين جداً، فإن أسعار الفائدة الاسمية ستبقى منخفضة بشكل استثنائي، أيضاً.
البعض يشعر بالقلق من أن أسعار الفائدة المنخفضة هي أمر غير طبيعي إلى حد ما. بالجدال في هذا السياق، المؤلف وليم كوهان يُصرّ على أن "مثل أي سلعة أساسية، فإن سعر مال الاقتراض - أسعار الفائدة - ينبغي أن يتم تحديده من قِبل العرض والطلب، وليس من قِبل التلاعب بضخامة السوق".
غير أن المال ليس مثل أي سلعة. إنه احتكار حكومي، يُعتبر البنك المركزي في الواقع مسؤولاً عن خلقه. البنك المركزي لا يُحدد أسعار الفائدة قصيرة الأجل. كوهان ليس وحده في هذا. كثير من الناس أرادوا تشديد السياسة النقدية لأعوام، لسبب أو لآخر. البعض يُركّز على برنامج التسهيل الكمي أكثر من أسعار الفائدة المنخفضة قصيرة الأجل، مُعتقدين أنه بالتأكيد سيؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم في النهاية.
غير أن الاعتقاد بأن توسيع الميزانيات العمومية للبنوك المركزية يضمن زيادة في الائتمان والإنفاق غير صحيح. حيث يُمكن إدارة الرابط المُفترض بين احتياطات البنوك والإقراض.
هناك وجهة نظر أكثر تطوّراً هي وجهة نظر بنك التسويات الدولية، فهو يعتقد أن السياسة النقدية ينبغي ألا تستهدف التوازن في الاقتصاد الحقيقي، بل التوازن في القطاع المالي. بالتالي، ينبغي للمرء أن يكون مُستعداً لتحمّل بطالة دورية لفترات طويلة على المدى المتوسط، من أجل منع تراكم التجاوزات المالية المُدمّرة على المدى الطويل. هذا يُثير سؤالين من الأسئلة الكبيرة. أولاً، هل هناك أي شخص يعرف ما السياسة النقدية التي من شأنها تحقيق استقرار قطاعنا المالي؟ ثانياً، ما الجدوى من تحرير النظام المالي من القيود الذي يخلق مثل هذه المُعضلات العميقة؟ من المؤكد بدلاً من ذلك أن محاصرته ستبدو منطقية أكثر.
باختصار، البنوك المركزية ينبغي أن تواصل التركيز على تحقيق استقرار الاقتصاد الحقيقي، على الرغم من أن هناك حاجة إلى القيام بمزيد للحد من التجاوزات المالية.
في الوقت نفسه، باعتباره بنكا مركزيا يستهدف التضخم، فإن مجلس الاحتياطي الفيدرالي لا يملك سببا قويا لبدء دورة التشديد في الوقت الحالي. وعندما تبدأ بالفعل، فإن أسعار الفائدة لن تصل إلى أعلى مستوياتها الدورية السابقة، فعالمنا ما عاد طبيعياً، وعلينا أن نعتاد على ذلك.
(المصدر: فاينانشال تايمز 2015-09-10)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews