كشف غازي ضخم يعِد بتغيير وجه الاقتصاد المصري
من النادر العثور على حقل نفط أو غاز بهذا الحجم الكبير لدرجة أنه يستطيع تحويل اقتصاد أي بلد. في الأسبوع الماضي، مجموعة الطاقة الإيطالية، إيني، فعلت ذلك تماما، من خلال الإعلان عن اكتشاف حقل "عملاق" تحت الماء قبالة الساحل المصري تقول إنه يمكن أن يكون واحدا من أكبر حقول الغاز في العالم.
"زهر" يعتبر حقلا ضخما، فهو أكبر اكتشاف من نوعه في البحر الأبيض المتوسط. الحقل يقع على بعد مسافة كبيرة للغاية تحت قاع البحر في منطقة عمقها 1500 متر تقريبا، لكن من السهل استخراجه باستخدام البنية التحتية القائمة، ما يجعل من السهل نسبيا تطويره. كلوديو ديسكالزي، الرئيس التنفيذي لمجموعة إيني، يقول إنه يحتوي على 30 تريليون قدم مكعبة أو أكثر من الغاز الطبيعي - ما يعادل 5.5 مليار برميل من النفط.
في الواقع، تقول شركة وود ماكينزي لاستشارات الطاقة، إن حجم "زهر" بلغ مقدارا هائلا على نحو يجعله ذا أهمية "ضخمة" بالنسبة لمصر. وعندما يبدأ المشروع في الإنتاج، خلال وقت قريب ربما في عام 2017، سوف يلبي الطلب المحلي على الغاز في مصر لمدة لا تقل عن عشرة أعوام، الأمر الذي يلغي الحاجة للاستيراد.
وسيتم الشعور بتأثير الاكتشاف خارج مصر أيضا، خصوصا في إسرائيل التي توجد لدى شركات الطاقة فيها طموحات لبيع الغاز ـ من حقلها المكتشف حديثا، ليفياثان، الذي طغي على زهر الآن ـ إلى القاهرة.
يقول باتريك هيذر، وهو زميل أبحاث أول في معهد أكسفورد لدراسات الطاقة: "هذا أمر ضخم. إنه يمكن أن يجعل مصر تستعيد مكانتها دولة مصدرة للطاقة ويحدث اضطرابا في جميع الخطط الأخرى لتطوير حقول غاز في البحر الأبيض المتوسط". ويضيف: "بالنسبة لأوروبا ككل، هذا لا بد أن يكون بشرى سارة. فمن المحتمل أن يدخل المزيد من الغاز إلى السوق. والسؤال هو، هل تحتاج أوروبا إلى هذا الغاز؟".
اكتشاف الأسبوع الماضي يعد أحدث دليل على وجود نهضة في مجال التنقيب في مصر، حيث إذا أديرت بشكل صحيح يمكن أن تنهي أزمة الطاقة في البلاد التي تجاوز فيها الطلب المحلي العرض.
بعد عقد اتسم بالضعف من حيث البحث عن اكتشافات، أعلنت مجموعات طاقة عالمية عن استثمارات بمليارات الدولارات في مصر هذا العام، شجعها على ذلك إجراءات حكومية لتسديد الديون وخفض الدعم للطاقة المحلية. ومن المتوقع أن يحفز نجاح مجموعة إيني شركة بريتش بتروليوم، التي من المقرر أن تنفق 12 مليار دولار في منطقة غرب دلتا النيل.
وهناك حاجة ماسة إلى الاستثمارات الأجنبية. فالضرر الذي لحق باقتصاد مصر نتيجة الاضطراب السياسي بعد ثورة عام 2011 تفاقم بسبب نقص الطاقة الناجم في الأساس عن انخفاض إنتاج البلاد من الغاز الطبيعي، من ذروة بلغت 6.1 مليار قدم مكعبة يوميا عام 2009 إلى 4.7 مليار قدم مكعبة يوميا عام 2014.
ونتيجة لذلك، تحولت مصر أخيرا من كونها دولة مصدرة للغاز الطبيعي المسال إلى دولة مستوردة صافية. وتم تقنين الإمدادات لشركات التصنيع المتعطشة للطاقة، مثل شركات إنتاج الأسمنت والأسمدة، وغالبا ما كان يتم تخفيضها. مارتن ميرفي، من شركة وود ماكينزي، يقول إن واردات الغاز الطبيعي المسال من المتوقع أن تصل إلى نحو ستة ملايين طن العام المقبل. لكن إنتاجا إضافيا بمقدار 2.5 ـ 3 مليارات قدم مكعبة يوميا من حقل الغاز الجديد ربما يجعل مصر مرة أخرى مكتفية ذاتيا. ويضيف: "حقل زهر يتوج تحولا ملحوظا في الحظوظ".
أحمد هيكل، رئيس مجلس إدارة "القلعة القابضة"، شركة الاستثمارات الإقليمية التي يوجد مقرها في القاهرة، التي لديها مصالح كبيرة في مجال الطاقة، يعتقد أيضا أن اكتشاف مجموعة إيني يمكن أن يكون بمنزلة "مغير لقواعد اللعبة في مصر". ويقول إن الغاز الجديد ينبغي أن يستخدم لتشغيل مولدات الطاقة الحالية العاملة بالغاز، لتوفير الطاقة الملتزم بها، فضلا عن الصناعة كثيفة استهلاك الطاقة. وسيكون على مصر، كما يقول، تجنب تكرار أخطاء الماضي الذي شهد نموا كبيرا في تصدير الغاز الطبيعي المسال وفي الصناعات التي تعتمد على الغاز الرخيص، بينما تم تجاهل احتياجات توليد الطاقة.
في المقابل، حقل زهر أحدث حالة من الفوضى في قطاع الطاقة الوليد في إسرائيل المجاورة، مع انطلاق تبادل الاتهامات السياسية.
فحتى قبل إعلان مجموعة إيني، كانت خطة بقيمة 6.5 مليار دولار لتطوير حقل ليفياثان البحري في إسرائيل متعثرة بسبب اختلافات داخل الحكومة الإسرائيلية وداخل الكنيست حول كيفية تطوير المشروع دون منح مساهميه تسعيرا مفرطا وقوة سوقية كبيرة. ويسيطر المساهمون في ليفياثان أيضا على حقل غاز تامار الأصغر حجما، الذي بدأ بتزويد إسرائيل بالغاز في عام 2013.
والاكتشاف المصري أكبر من حقل ليفياثان بما يقارب 40 في المائة. بالتالي، انتقل المساهمون إلى احتساب احتمال تلاشي تزويد حقل ليفياثان مصر بالغاز. وشهدت الأسهم في "ديليك"، و"أنفير أويل آند غاز"، و"ريشيو أويل إكسبلوريشن"، الشركات الإسرائيلية الداعمة للحقل، تراجعا في الأسبوع الماضي. كذلك الأسهم في نوبل الأمريكية للطاقة، الشركة الأجنبية التي تعتبر المساهم الرائد في حقلي تامار وليفياثان، انخفضت هي الأخرى.
ويشكل حقل زهر ضربة قوية لحقل ليفياثان، لكن لا يزال بالإمكان تطوير الحقل الإسرائيلي. ويعتبر إعلان النيات لبيع الغاز لمدة 15 عاما إلى مصفاة إدكو التابعة لمجموعة "بي جي" في مصر، أمرا مهما بالنسبة لخطة عمل المشروع، لكن الشركات الداعمة له تقول إن لديها اتفاقيات أخرى، بما في ذلك مع شركة الطاقة الكهربائية في الأردن.
وفي نهاية المطاف، يتعين المشروع الإسرائيلي التعامل ليس فقط مع خسارة الطلب المصري، لكن أيضا وفرة العرض العالمي.
فالاستهلاك الآسيوي الضعيف والانهيار في أسعار النفط يؤثران على سوق الغاز الطبيعي المسال في أوروبا التي تشهد ركودا في الطلب. علاوة على ذلك، الغاز المصري الجديد سوف يصبح متاحا في الوقت نفسه تقريبا الذي تنتهي فيه عدة مشاريع أمريكية. ويعتقد مسؤولو النفط في الغرب أن مجموعة إيني سترغب في تصدير بعض الغاز الطبيعي المسال من خلال منشأة التصدير الساكنة التابعة لها في دمياط، مع كون جنوب أوروبا وجهة واضحة. تقول الشركة الاستشارية، إينرجي أسبيكتس: "المنطقة ستكون بمنزلة حقل غاز طبيعي طويل الأجل". إذا كان الأمر كذلك، فإن الفائزين الكبار يمكن أن يكونوا المشترين الأوروبيين.
(المصدر: فاينانشال تايمز 2015-09-09)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews