سياسة أمريكا النقدية سبب تقلّب الأسواق
بعد أن ترسّخ إجماع غير مُريح خلال الأيام القليلة الماضية على أن الاحتياطي الفيدرالي لن يتخلّى عن سياساته لأسعار الفائدة القريبة من الصفر في أيلول (سبتمبر)، انخفض الدولار مقابل كل من الين واليورو (على الرغم من أن عملات الأسواق الناشئة استمرت في التراجع وفقاً لبيانات مُخيفة من الصين).
هناك بعض الدروس التي يمكن استخلاصها بشكل مأمون من اضطراب السوق خلال الأسبوعين الماضيين، أحدها بالتأكيد هو حقيقة أن برنامج التسهيل الكمي يتعلّق بدعم أسعار الأصول وليس أي شيء يتعلّق بالاقتصاد الحقيقي. لو كان الاقتصاد الأمريكي يتعافي في الواقع، ولم يعُد بحاجة إلى مثل أسعار الفائدة المنخفضة هذه، التي كانت المُبرّر الأصلي للسياسة، لماذا إذن احتمال نهاية أسعار الفائدة القريبة من الصفر يُرعب الأسواق بهذا القدر السيئ؟
من المؤكد أن الدولار ينبغي أن يكون قد ارتفع مقابل العملات الأخرى، خاصة في أسبوع أظهرت فيه أرقام الناتج المحلي الإجمالي لهذا الربع أن الاقتصاد الياباني انكمش مرة أخرى (خصوصا أن ذلك الأداء المُخيب للآمال أدى على الفور إلى تكهّنات بأنه سيكون هناك قريباً مزيد من برنامج التسهيل الكمي من الأرض التي لم تُشرق عليها الشمس بعد).
الانفصال بين الأسواق والاقتصاد الحقيقي، والفجوة بين الأساسيات والتقييمات ينموان يوماً بعد يوم، طالما السياسات النقدية غير التقليدية لا تزال موجودة. هذه السياسات لا تعمل فقط على دعم مستويات السوق - بل تعمل إلى حد كبير على تحديدها. وهذا في حد ذاته أصبح مصدر التقلّب.
البحوث الأساسية لا تهُم تقريباً بقدر تخمين مواقف الاحتياطي الفيدرالي. ولأن الأسعار مدعومة بشكل اصطناعي من قِبل الحكومة وإجراءات البنك المركزي، فإن السوق تُكافح للعثور على المستوى المناسب.
وفي حين أن كل شيء يُمكن أن يتغيّر غداً، إلا أن أداء الأسهم حتى الآن دون أداء السندات. وهناك أسباب وجيهة للشعور بخيبة أمل حيال البورصة في هذه المستويات، مع الغياب (النهائي) لدعم الاحتياطي الفيدرالي. ولسبب واحد هو أن عمليات إعادة شراء الأسهم تتلاشى، والشركات التي شاركت في هذه الممارسة لم تعُد متفوّقة. علاوة على ذلك، سيُصبح من الصعب أكثر في المستقبل تحويل الإيرادات إلى صافي أرباح. لكن التفوّق النسبي لأسواق الائتمان قد يعني تماماً أنها ستنخفض إلى مسافة أبعد من ذلك. وقد انخفضت أسعار السندات إلى أدنى مستوياتها لهذا العام، في حين أن كلا من العوائد وهوامش الربح على سندات الخزانة الأمريكية في أعلى مستوياتها لعام 2015، بحسب بيانات من وحدة LCD في مجموعة ستاندرد آند بورز. والانخفاض في الأسبوع الأخير من آب (أغسطس) الماضي كان الأشد الذي يحدث في يوم واحد منذ كانون الأول (ديسمبر) 2014. وارتفعت هوامش الربح على السندات ذات العائد المرتفع في الولايات المتحدة بمقدار نصف نقطة مئوية تقريباً في الأسبوع حتى يوم الأربعاء، وبمقدار 265 نقطة أساس قبل أكثر من عام.
وذكرت برقية سريعة من "بي إن بي باريبا" قبل بضعة أيام "أن الدمج بين الرفع المالي المرتفع، وأسعار الفائدة المرتفعة، والنمو البطيء ليس أمراً داعماً لأداء الأصول". وأضافت: "بسبب الانخفاض في أسعار الأسهم للمُقترض (كلما انخفضت قيمة أصول إحدى الشركات، كانت مخاطر الائتمان أكبر)، فإن مزيدا من التصحيحات في هوامش الربح لا تزال محتملة".
وبالنسبة للمستقبل، يبدو من المرجح أنه سيشهد جميع أنواع العدوى التي لا يُمكن التنبؤ بها، في كل فئات الأصول والمناطق الجغرافية. هذا يعني احتمالا أكبر لأن يتم نقل دوامة مُنحدرة في الأسهم الأمريكية بسرعة إلى سندات الشركات. وكان تقرير من كريدي سويس قد ذكر الأسبوع الماضي أن "البيانات تُشير إلى أننا سنرى المثال الأول من التدفّقات الخارجة الشهرية المُتعاقبة من صناديق الاستثمار المشترك لكل من الأسهم والسندات ـ في حزيران (يوليو) وآب (أغسطس) ـ منذ الربع الرابع من عام 2008".
بالمثل، التراجع في الأسواق الصينية سيُلحق الضرر بأرباح أولئك الذين يبيعون إلى الصين، من أستراليا والبرازيل إلى إندونيسيا وجنوب إفريقيا، والشركات مثل جنرال موتوزر وكاتربيلار في الولايات المتحدة، وشركات صناعة السلع الفاخرة في أوروبا. والشركات الأوروبية أكثر عُرضة بكثير للأسواق الناشئة من نظيراتها الأمريكية، الأمر الذي يدفع ستيفن جين، من صندوق إس إل جيه ماكرو، لاستنتاج أن المكاسب في اليورو سيتبيّن أنها مؤقتة.
في الوقت نفسه، "أوكتري كابيتال مانيجمينت"، وهي شركة لإدارة الاستثمار البديل، جمعت للتو أموالا لصندوق جديد للديون المُتعثّرة بقيمة عشرة مليارات دولار، بعد الانتظار على الهامش لعدة أعوام في الوقت الذي لم تكُن توجد فيه أي مشكلة لدى المُقترضين من الشركات شبه المتوقفة، المُتعثّرة التي تتمتع بالرفع المالي الأكبر من حيث جمع رأس المال. في عام 2008، في أعقاب الأزمة المالية العالمية، حقّقت شركة أوكتري مكاسب كبيرة من خلال توظيف رأسمالها. وقد لا يعود العالم إلى عام 2008، لكن عندما ينحسر التشديد النقدي للبنوك المركزية في نهاية الأمر، فسيكون هناك المزيد من الفرص للمستثمرين المُتعثّرين الذين كانت مهاراتهم تبدو غير ذات صلة منذ وقت ليس ببعيد.
(المصدر: فاينانشال تايمز 2015-09-05)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews