أوروبا ومشاكل الشرق الأوسط
صورة الجثة الصغيرة للطفل الكردي ابن الثلاث سنوات التي سحبها نحو الشاطيء شرطي تركي؛ مشهد الاف اللاجئين الذين يحتشدون في محطات القطار في بودابست ويطلبون عبثا حق العبور إلى المانيا؛ الشاحنة التي ترت على قارعة الطريق في النمسا وفيها جثث عشرات الاشخاص ممن فروا من تهديدات الحرب الاهلية في سوريا ـ كل هذه معا تروي ذات القصة: الشرق الاوسط وصل في نهاية هذا الصيف لزيارة اوروبا. ومع لاجئي وناجي الازمات والنزاعات الكثيرة في افريقيا، والتي بالكاد تحظى بنسبة صغيرة من الاهتمام الدولي المكرس للحروب في العالم العربي، فانه لا ينوي الذهاب إلى أي مكان.
يبدو أن ليس ثمة بعد مبرر لنشر سيناريوهات الاخرة، على نمط حبكة رواية «الاستسلام» لميشيل فالبك، ولكن واضح منذ الان بان ما كان لن يكون بعد اليوم. فبعد قرابة خمس سنوات من الفظاعة، فان الهزة الهائلة التي ألمت بالدول العربية لم تعد مغلقة في علبة، بآثار خارجية محدودة.
ومثلما تؤثر المذبحة اليومية الجارية في سوريا وفي العراق على الدول المجاورة، بما فيها الاردن، تركيا ولبنان، التي تغمر بموجات من اللاجئين، هكذا يفر الان مئات الاف آخرين إلى اوروبا، قارة الميعاد.
لم يعد ممكنا للساحة في العديد من الدول العربية أن تحتوي رعاياها. فأحد لم يعد تقريبا يتحدث عن المواطنين الذين كان تحسين حقوقهم في بؤرة الكفاح الذي بدأته الهزة في 2010.
فالساحة لا تستطيع معالجة احتياجاتهم الاساسية، وعندما تنهار، تحدث موجات صدى شديدة، ويكون ثمة ثمن يدفع حتى في دول اوروبا الشبعة.
يندفع اللاجئون إلى اوروبا بجموعهم من عدة دول ولجملة اسباب. في سوريا اضطر قرابة نصف السكان إلى هجر منازلهم ونحو ربع السكان غادروا الدولة كليا. لابناء الاقليات ـ المسيحيين، الاكراد، اليزيديين وغيرهم ـ ممن يفرون من سوريا ومن العراق يضاف ايضا السنة ممن طروا من منازلهم على ايدي الموالين للاسد او علقوا تحت الضغوط التي بين اعمال القصف الفظيعة التي يقوم بها النظام وبين السادية المنهاجية لتنظيم الدولة الإسلامية داعش.
تبدأ المشاهد من سوريا تذكر بصور الدمار في مدن اوروبا في نهاية الحرب العالمية الثانية. شبكات المياه، المجاري والكهرباء تنهار وكذا خدمات التعليم والرفاه. وتبشر التقارير الاخيرة من سوريا، عن تدفق وحدات من الجيش والطائرات القتالية من روسيا لمساعدة النظام فقط بان الحرب ستستمر لزمن طويل آخر وستصبح حتى اكثر وحشية. ولا غرو ان المواطنين يفقدون الامل.
موجة هجرة اخرى تصل من افغانستان ومن الجمهوريات السوفييتية السابقة في وسط آسيا، ولا سيما لاسباب اقتصادية. قبل نحو ثلاث سنوات، في اعقاب اسقاط نظام القذافي في ليبيا، بدأ دول اوروبية تهيىء وتمويل حرس الشواطيء الليبية، على أمل أن يفصل بينها وبين اللاجئين الساعين إلى اجتياز البحر المتوسط. الحرس، مثل ليبيا كلها، انهار والان يجتاز البحر عشرات الالاف الذين يأتون من ارجاء القارة ويبحرون في كل وسيلة ابحار ممكنة. وبين البؤساء الذين غرقوا في البحر في السنتين الاخيرتين كان ايضا مئات الغزيين ممن سعوا إلى ترك القطاع، قبل وبعد الحرب الاخيرة بين إسرائيل وحماس.
وفي ظل هذه الجلبة تواصل إسرائيل الحفاظ معظم الوقت على نوع من الفقاعة الامنية. عدد حوادث اطلاق النار على طول الحدود وان كان ارتفع، ولكن يخيل أن المواطن الإسرائيلي يكاد لا يشعر باثار الهزة من حوله.
وحتى لو اندحر تهديد النووي الإيراني إلى مكان أدنى في جدول الاعمال العالمي، لاستياء رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ثمة في رؤيته ايضا جانب ايجابي: فالنزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني يبدو في هذه اللحظة كمسألة هامشية للاسرة الدولية. وهي لا تكون مطالبة به الا عندما تندلع أزمة أكبر ولم تعد ترى فيها السبب الاساس لوضع الشرق الاوسط الاشوه. وبالاساس، فقد يئست من تعليق الامال بالنوايا الطيبة للاطراف.
اوضاع اللاجئين في المنطقة، والى جانبها تعاظم نشاط المنظمات الجهادية على طول الحدود، ستشجع نتنياهو على أن يخرج من الخزانة خطته لاحاطة الدولة بجدران عالية، وبانظمة استخبارية واجهزة رقابة. يحتمل أن يوجه قسم من فوائض الجباية للضرائب نحو هذا الهدف.
لقد عكس بناء الجدار على طول الحدود المصرية تحليلا استراتيجيا دقيقا من جانبه. وفي المستقبل سيسعى نتنياهو إلى تسريع بناء جدار على طول حدود الأردن. في هذه المرحلة يستعد جهاز الأمن فقط لبناء جدار في القسم الاكثر جنوبية من الحدود، على مسافة 30كم من ايلات شمالا، لحماية المطار الجديد الذي يقام في تمناع.
ومع ان المملكة الاردنية الهاشمية تبدو مستقرة، فالقلق على مستقبلها في ضوء ضغوط داعش واللاجئين يستدعي انشغالا واسعا من جانب اصحاب القرار في إسرائيل. في جبهة الإرهاب، يقلق إسرائيل نزول عشرات الاف اللاجئين السوريين جنوبا للعمل في المزارع في الجانب الاردني من الغور خشية أن يتسلل بينهم نشطاء إرهاب ايضا.
أما في الاسابيع الاخيرة فقد برز قلق اقليمي جديد: يتبين أن نحو 3 ملايين مواطن فروا من اليمن على خلفية الحرب الجارية هناك وهم يصعدون الان شمالا، إلى السعودية، ولاحقا ربما إلى الاردن ايضا. ويحتمل أن يعرض هذا الميل ايضا كسبب يستوجب قريبا اغلاقا سريعا للحدود مع الاردن.
(المصدر: هآرتس 2015-09-04)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews