الشركات الرائدة وقدرتها على الخروج من الأزمات
نريد في مقالنا لهذا الأسبوع أن نتعرف على أهم خصائص الشركات العملاقة التي يحلو للبعض تسميتها بالشركات الرائدة كي نتعرف على عاداتها الأصيلة وقيمها الجوهرية. للشركات الرائدة عدة خصائص من أهمها مقدرتها على الصمود أمام المحن والأزمات. فقد اكتسبت قوة ومهارة عبر السنين لمواجهة أعتى الصدمات. ومن أمثال هذه الشركات: بوينج، فورد، زنيث، ماريوت، ميرك، فيليب موريس، بي إم دبليو، ماركس آند سبنسر، نستله، نوكيا، شيل، سوني.
وتطلق عليها الشركات "الرائدة" لتميزها وتكونها كنوع خاص من صفوة المؤسسات، ولأنها تعتبر في كثير من الأحيان أفضل الشركات على الإطلاق في مجالها وقد احتلت هذه المكانة على مدار عدة عقود "يصل متوسط عمرها إلى قرن أو يزيد" وهي تمثل قوة ونموذجا يحتذى به في ممارسة أساليب الإدارة لجميع المنظمات.
تمتلك هذه الشركات تاريخا في مواجهة العثرات فغالبيتها قد واجهت عثرات شديدة وتقلبات مروعة خلال تاريخها إلا إنها استطاعت أن تحافظ على وجودها وتطور من نفسها. وقد بين ذلك "كولنز وبوراس" في كتابهما الشهير "البناء من أجل البقاء" أهم العقبات التي واجهت بعض الشركات الرائدة. على سبيل المثال واجهت شركة "والت ديزني" أزمة مالية عام 1939، حيث واجهت أزمة شديدة في السيولة النقدية التي أجبرتها على طرح أسهمها في سوق الأسهم، ثم بعد ذلك في أوائل الثمانينيات فقدت الشركة صفتها كشركة مستقلة عندما تطلع الأفراد الذين يسعون إلى امتلاك الشركات الأخرى، إلى الحصول على أسهم الشركة التي هبطت أسعارها في سوق الأسهم. ورغم كل هذا ها هي "والت ديزني" أكثر حيوية وأنضر شبابا واقوى فتوة.
أما "فورد" فتعرضت لأكبر خسارة في تاريخ الأعمال الأمريكي (3.3 مليار دولار على مدار ثلاث سنوات) في بداية الثمانينيات قبل أن تحقق تحولا مدهشا وتقوم بإعادة تجديد ذاتها وهو الأمر الذي كانت في حاجة إليه منذ فترة طويلة من أجل أن تصعد وتتربع على عرش صناعة السيارات حول العالم. أما "أي بي إم" فقد كانت على شفا الإفلاس في عام 1914 ثم في عام 1921 ثم واجهت المتاعب مرة أخرى في بداية التسعينيات ولكنها استعادت تألقها وخرجت من هذه الأزمات بسلام.
وهذه "بوينج" واجهتها صعوبات ضخمة في منتصف الثلاثينيات وأواخر الأربعينيات ثم في أوائل السبعينيات حيث نتج عن ذلك تسريح 60 ألف عامل إلا أنها ظلت في سباق وتنافس شديد مع إيرباص. أما "ثرى إم" فقد واجهت بداية فاشلة وأوشكت، في أوائل العقد الأول من القرن العشرين، على الانهيار. في حين واجهت "هيوليت ـــ باكارد" في 1945 تخفيضا شديدا في العمالة، وفي عام 1990 انخفضت أسعار أسهمها عن سعر القيمة الدفترية. أما "سوني" فواجهت فشلا متكررا لمنتجاتها خلال السنوات الخمس الأولى لوجودها (1945-1950)، وفي السبعينيات خسر نظام "بيتا" الذي أنتجته أمام نظام "في ـــ إتش ـــ إس" في الصراع من أجل السيطرة على سوق أجهزة الفيديو. في حين عانت شركة سيتي كورب "التي أسست في عام 1812 أي في العام نفسه الذي زحف فيه نابليون على موسكو" عانت كثيرا في أواخر القرن التاسع عشر وفي كساد الثلاثينيات من القرن الماضي ومرة أخرى في أواخر الثمانينيات من القرن العشرين عندما صارعت لإثبات صورتها القوية التي تحملها.
هذه الانتكاسات التي واجهت الشركات الرائدة في مراحل مختلفة من حياتها لم تثنها عن المواجهة فقد أظهرت قوة مبهرة على الصمود وقدرة مذهلة على الخروج من المحن وبذلك فإنها تحقق أداء غير عادي على المدى البعيد لأن لديها خصائص فردية لا تتوافر لدى بقية الشركات.
لديها طرائق وآليات في التغلب على العقبات وكيفية مواجهة الأزمات دون تأثير من أمزجة القيادات لأنها تؤسس بداخلها نظاما يدير المنظمة بطريقة ديناميكية يقذف بالرديء من القادة والموظفين خارج الشركة كما يقذف جسم الإنسان الفيروس ويبقي على الأكثر ولاء والأكثر إنتاجية. كما أن هذه المنظمات تأسست على مبدأ المنظمة الرائدة وليس على أسطورة القائد الفذ، ولكن ليس معنى هذا أنه ليس للقياديين الأفذاذ أثر في مسيرتها وتألقها. كما تكون بداخل هذه الشركات مصطلح الحضارات الطائفية والذي يختلف عن الثقافة التنظيمية، وقد سبق وتطرقت إلى هذين المصطلحين المختلفين والمتشابهين في مقال سابق يمكن الرجوع إليه.
من أراد المزيد حول هذا الموضوع فهناك عدة دراسات من أبرزها كتاب "البحث عن الامتياز" وكتاب "البناء من أجل البقاء" وهذا الأخير استل من بحث لـ "كولنز وبوراس" استغرق ست سنوات وهو من أبرز كتب التجارة والأعمال في مجال بناء الشركات خلال التسعينيات من القرن الماضي وما زال في طليعة الكتب إلى يومنا هذا لأنه يناقش البعد الفلسفي لبناء المنظمات مرتبطا بآليات التشغيل.
وإنني أنصح المديرين التنفيذيين وأصحاب المهن والأعمال التجارية صغيرة كانت أم كبيرة أن يقتنوا نسخة من كتاب "البناء من أجل البقاء" ويمتعوا عقولهم وفكرهم بما يحويه من نفائس عن خبرات أعرق الشركات في العالم ومنها طرائق وآليات الشركات الرائدة في التغلب على العقبات.
وفي مناسبة قادمة ـــ بإذن الله ـــ سنلقي الضوء على أبرز ملامح هذه الشركات والأسرار التي تتميز بها وكيف اتخذت من علم النشوء ومن علم الأديان أساسا لتكوين قيمها الجوهرية وآلياتها التشغيلية.
(المصدر: الاقتصادية 2015-09-03)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews