حان الوقت لفهم أفضل للمؤشرات

لماذا تحتاج إلى أن تعرف عن مؤشرات الأسواق المالية؟ "فاينانشيال تايمز" لا تزال في منتصف الطريق فقط في سلسلة مقالات لمدة أسبوعين تبحث في هذا الموضوع. إليكم محاولتي.

أولاً، أصبحت المؤشرات أكثر قوة. وهذا جزئياً بسبب نمو استثمار المؤشرات السلبية، حيث الصناديق تتعقّب أحد المؤشرات. هذا كان تطوّرا إيجابيا على نطاق واسع لأنه يُقلّل التكاليف.

والتكاليف هي أفضل مؤشر مفرد للأداء في المستقبل لأي استثمار. عند إبقائها منخفضة - من خلال تعقّب أحد المؤشرات بدلاً من الاستثمار في محاولات للتغلّب عليه- وعند مستوى معيّن من المخاطر، يفترض أن تكون عوائدك أعلى قليلاً.

لكن نمو القياس -مقارنة مديري الصناديق النشطين مع أحد المؤشرات- هو تماماً بالقدر نفسه من الأهمية. إذا كان مديرو الصناديق يعرفون أن أداءهم مقارنة بالمؤشر سيعمل على تحديد ما إذا كانت صناديق المعاشات التقاعدية، أو المستثمرين الأفراد، تُرسل لهم الأموال، عندها فإن المؤشر سيُهيمن بشكل طبيعي على تفكيرهم. الانحراف عن المقياس سيكون بمثابة مخاطرة بتخفيض الأداء وإقدام المستثمرين على سحب أموالهم.

كل هذا يعني أن المؤشرات لم تعُد علامة على الأسواق فقط. التغيّرات في عضوية المؤشر ستعمل على تحريك الأسواق.

ثانياً، هناك اختلافات كبيرة بين المؤشرات ليست واضحة للعين المُجرّدة. نحن بحاجة إلى تفسير تلك الاختلافات. لنبدأ مع المؤشر الأكثر تعقّباً في العالم، مؤشر ستاندر آند بورز 500 لأسهم الشركات الأمريكية ذات رؤوس الأموال الكبيرة. المستثمرون في جميع أنحاء العالم يُراقبون هذا المؤشر، ومع ذلك لا يُمثّل سوى 80 في المائة من سوق الأسهم الأمريكية. والمديرون النشطون باستمرار يفشلون في التغلّب على مؤشر ستاندرد آند بورز – وهي حقيقة أخرى غالباً ما يتطرّق إليها هذا العمود من المقالات.

لكن هل مؤشر ستاندرد آند بورز يُعتبر مقياساً عادلاً؟ في وقت سابق من هذا العام، قدَّم آدام باركر، كبير خبراء استراتيجية الأسهم الأمريكية في مورجان ستانلي "استراحة للمستثمرين قد يحتاج إليها بعضهم - حيث تتم مقارنتهم بهدف مُتحرّك، وذلك الهدف من الصعب التغلّب عليه".

أشار باركر إلى أن مؤشر ستاندرد آند بورز يغير تركيبته في كثير من الأحيان، كلما اضطرت شركة لمغادرة المؤشر (عادةً بسبب عملية دمج). وفي المتوسط، 4.4 في المائة من المؤشر يتغيّر كل عام. ومع مرور الوقت، تُصبح التغيّرات ضخمة. والآن 36 في المائة فقط من الشركات في مؤشر ستاندرد آند بورز كانت موجودة فيه عام 1994. في هذه الأثناء زادت أسهم التكنولوجيا من 8 في المائة إلى 13 في المائة من الأسهم في المؤشر. والشركات التي تضاف إلى المؤشر تتمتع بنمو أرباح أسرع من المؤشر ككل، في حين أن التي تُغادر تكون لديها أرباح منخفضة. والشركات الداخلة حديثاً تؤدي إلى تحسين نمو إيرادات المؤشر وهوامش أرباحه.

هل يعني هذا أن المؤشر مقياس غير عادل؟ ديفيد بليتزر رئيس قسم المؤشرات في مؤشر ستاندرد آند بورز، يرُد قائلا: "نحن نريد تمثيل السوق، والسوق تتغيّر". من خلال التغيّر بانتظام، دائماً ما يكون مؤشر ستاندرد آند بورز بمثابة انعكاس مُحدّث للسوق، ويتجنّب الاضطراب السنوي الضخم الذي يحدث عندما يعيد مؤشر رَسِل المنافس التشكيل مرة واحدة سنوياً. ويُشير أيضا إلى أن نحو 20 تغييرا يحدث كل عام يمنح المديرين النشطين 20 فرصة للتفوق على السوق.

والأمر الأكثر واقعية، هو أن ستاندرد آند بورز مقياس جيد يَحسُن تعقّبه. هل هذا يجعله مقياسا غير عادل ليحاول أي مدير نشط التغلّب عليه؟ ربما لا، بسبب وجه آخر لمؤشر ستاندرد آند بورز، وهو أن وزنه النسبي يتحدد بحسب القيمة السوقية، حيث الشركات الأكبر هي التي تحصل على وزن أكبر. ولا يوجد أي مُدير نشط يفعل هذا على الإطلاق. بدلاً من ذلك، يحشدون أفضل أفكارهم ويشترون كميات متساوية تقريباً من كل شيء، وبالتالي لن تكون هناك أي جدوى في تحديد أهمية حيازاتهم وفقاً لحجم الشركة.

وقبل فترة طويلة نشر ستاندرد آند بورز 500 مؤشر لها الوزن النسبي نفسه: كان كل سهم يساوي 0.2 في المائة من المؤشر. هذا ربما مقياس أكثر صحّة من مؤشر ستاندرد آند بورز نفسه، ومن الصعب جداً التغلّب عليه. ومجرد إجراء عمليات إعادة التوازن المُنتظمة لإبقائه يحتل أهمية متساوية يعني جني الأرباح من الأسهم الرابحة وشراء الأسهم التي انخفضت أخيرا - وهو أمر جيد. كما يعطي أيضاً أهمية كبيرة للأسهم الأصغر والأرخص، التي تُحقّق نتائج جيدة على المدى الطويل.

هذا يؤدي إلى نقطة مهمة أخرى هي أن المصنفين لا يعملون على مجرد تعقّب السوق، لكنهم أيضاً يحاولون التغلّب عليها من خلال تقديم المؤشرات - المعروفة بمُصطلح "بيتا الذكية" - التي تتفوّق بسبب شراء الأسهم الرخيصة، أو الأسهم ذات الأرباح المتنامية، أو أيّاً كان.

ويظهر بحث أجرته كلية كاس لإدارة الأعمال في لندن أن المحافظ الاستثمارية التي يتم اختيارها بشكل عشوائي - ولا يهم حتى لو اختارتها القرود - من المرجح بشكل كبير أن تتغلّب على المؤشرات المُرجّحة حسب رأس المال في السوق. لكن معظم القرود فشلت في مطابقة المؤشرات ذات الأهمية المتساوية، أو المؤشرات القائمة على التدابير الأكثر تطوّراً للحد من المخاطر.

إذن، التسلسل الهرمي هو أن المؤشرات البسيطة ذات الوزن النسبي المتساوي تتغلّب على القرود، الذين يتغلّبون على المؤشرات المهمة من حيث القيمة، مثل ستاندرد آند بورز، الذي يتغلّب على المدير النشط العادي (الذي مع ذلك يشتكي من أن مؤشر ستاندرد آند بورز غير عادل).

لكن أموالنا لا تزال في الغالب يتم إدارتها من قِبل المديرين النشطين، في حين أنني لا أعلم عن أيّ منها تتولى إدارتها القرود. لهذه الأسباب، وغيرها كثير، نحن بحاجة إلى معرفة المزيد عن المؤشرات.

(المصدر: فاينانشال تايمز 2015-08-24)