العملة الصينية: هوس حرب عملات
تواردت التساؤلات والتفسيرات بعد أن خفضت الصين السعر المرجعي لعملتها الوطنية «اليوان» ثلاث مرات خلال 72 ساعة في الأيام التالية: 10، 11، 12 من شهر أغسطس الحالي حيث بلغ الخفض الأول في السعر المرجعي للعملة بنسبة 1.9 في المائة الذي شكل المفاجأة والصدمة الأولى في أسواق العملات والبورصات الدولية حيث يعد هذا الانخفاض الأكبر منذ 1994 رغم ضآلته.
وجاء بعد ذلك تخفيض ثان للعملة بنسبة 1.6 بالمائة وتلاه تخفيض آخر بنسبة 1.11 بالمائة مما ادى إلى تراجع العملة الصينية ومعظم العملات العالمية مقابل الدولار الأمريكي، ليسجل اليوان أدنى مستوياته منذ اربع سنوات أي بتراجع بمقدار 3.5 بالمائة منذ اغسطس عام 2011.
أثار هذا التخفيض في قيمة اليوان مقابل الدولار الأمريكي قلقا وفزعا في ساحتي التحليل والتفسير الاقتصادي والمالي تخوفا من بوادر «حرب عملات» بين اقتصاديات الدول الكبرى في العالم التي قد تشعل الفوضى والخراب للجميع نظرا للوزن النسبي الكبير الذي تشكله الصادرات الصينية في حجم التجارة العالمية.
وفي الوقت نفسه سرت الاتهامات عن محاولات الصين إعطاء صادراتها ميزة تنافسية وغير عادلة في السوق العالمية على حساب الأطراف الأخرى عن طريق خفض عملتها، وقبل أن يقرر المجلس الفيدرالي الأمريكي تاريخ رفع معدل الفائدة المرتقب. وبكلمات أخرى قد تدفع التخفيضات الصينية الدول الأخرى إلى مجاراتها في تخفيض قيم عملاتها للبقاء في دائرة التنافسية العالمية في التصدير أو عن محاولة التحكم في حجم وارداتها من الصين تحقيقا لمصالحها التجارية.
من الواضح أن الهزة التي أصابت الاسواق الدولية جراء الخسائر التي تكبدتها البورصات العالمية في آسيا وأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية والتي امتدت الى المعادن والنفط اثر تخفيض العملة، لم تترك مكانا للاطمئنان، بل وجهت أصابع الاتهام إلى الصين لمحباتها مصلحتها دون مراعاة مصالح الشركاء التجاريين الآخرين على الرغم من تدخل بنك الشعب الصيني (بنك الصين المركزي) لتخفيف سرعة هبوط قيمة اليوان سعيا لاستقرار اسعار الصرف.
ويجب التذكير ان الصين اختارت طريق خفض العملة بعدما اشارت بيانات الصادرات تراجعها بنسبة 8.3 بالمائة نتيجة ضعف الطلب العالمي على السلع الصينية، كما عرفت اسعار المنتجين انخفاضا يعتبر الأقل منذ أواخر عام 2009 وتراجعا غير منقطع على مدار أكثر من ثلاث سنوات.
ويعتقد بعض المراقبين ان تراجع اليوان بصورة غير مسبوقة منذ عقود يوحي بوجود مشاكل كبيرة في الاقتصاد غير معروفة لعدم نشر البيانات أو توفرها. كما يرى ان قرار التخفيض جاء ليشكل خطوة استباقية قبل رفع معدل الفائدة الأمريكية التي تلوح في الأفق القريب التي يمكن أن تؤدي الى انسحاب الاستثمارات من الصين وسيؤدي إلى مزيد من التراجع الاقتصادي.
لاشك ان هذا الوضع سيهدد السياسة المراد اتخاذها من قبل البنك الفيدرالي الأمريكي عبر رفع معدل الفائدة، رغم ضعف مؤشرات أداء الاقتصاد الأمريكي وخاصة وإن الدولار قد تضخمت قوته اكثر مقارنة بسعر اليوان، مما سيؤثر سلبا على الصادرات الامريكية وقد يقود ذلك الى تراجع معدل النمو الامريكي المرغوب فيه.
ولا يخرج هذا الاجراء الصيني الذي يحمل أهدافا معلنة تتمثل في رغبة الصين الخروج من مصيدة الركود الاقتصادي والوصول إلى معدل نموها المستهدف (7 بالمائة) من خلال زيادة صادراتها. ووفقا للمنطق الصيني سيشكل ذلك فرصة في زيادة الطلب على المواد الاولية والنفط وبالتالي تحريك الاقتصاديات الناشئة وسيكون بدوره رافعة لتعظيم الطلب على السلع المتطورة من الدول الرأسمالية، مما سيجر إلى زيادة الطلب العالمي وتقوية الوضع الاقتصادي الدولي.
فقد يحمل المنطق الصيني وجهة نظر للخروج من الركود الاقتصادي عن طريق خفض العملة كأداة لزيادة الصادرات والدخل، ولكن يخبئ هذا المنطق ايضا العديد من المخاطر على الاقتصاد العالمي ومن أهمها التضخم السلبي الذي يؤثر سلبا على الأعمال في الدول الأوروبية والولايات المتحدة. ومادامت الساحة الاقتصادية قائمة على التنافس سواء بصورة علنية أو ضمنية، فإن طبول حرب العملات ستظل تقرع دون توقف، حيث لا خيار للشركاء التجاريين إلا طريقين للخروج من خندق الركود الاقتصادي هما: تخفيض قيمة العملة أو التيسير الكمي القائد عنوة إلى تخفيض العملة.
(المصدر: الايام 2015-08-23)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews