ما أثر عودة المالية إلى إصدار سندات التنمية الحكومية؟
ليس جديدا الحديث عن نية وزارة المالية التوجه إلى سوق الدين لتغطية العجز في الميزانية العامة، فقد مرت بالمملكة سنوات سمان بعد الارتفاعات الكبيرة في أسعار النفط، التي حققت خلالها المملكة عوائد كبيرة مكنتها من العمل على كثير من المشاريع التنموية التي تحتاج إليها البلاد، وحسنت من الوضع المعيشي للأفراد، إضافة إلى استثمارها الكبير في المواطن بدعم المؤسسات التعليمية والابتعاث، والعمل على إصلاح سوق العمل، وتحسين بيئة العمل والدخل لموظفي القطاع الخاص، وهذه الأمور أسهمت بشكل واضح في إقبال كثير من أبناء الوطن على القطاع الخاص، بل وجد بعض موظفي القطاع الحكومي فرصة أفضل للانتقال والعمل في القطاع الخاص أيضا، كما أن الإجراءات الحكومية لم تهمل موضوع الدين العام الذي وصل إلى مستويات عالية، حيث خفضت هذه المستويات إلى مستويات متدنية جدا.
رغم أن الدين في الأساس عبء غير مرغوب فيه ولكن في حال الاحتياج مطلوب، وقد تكون له آثار إيجابية قد نشهدها قريبا خصوصا بعد شكاوى الكثير من الارتفاعات الكبيرة للأسعار، فالملاحظ أنه خلال العقد الماضي وبسبب الوفرة الكبيرة للسيولة في المصارف والإنفاق الحكومي على المشاريع، كان ذلك أحد أهم الأسباب في الضغط على أسعار السلع والأصول والخدمات، بشكل لم يعد يطيقه المواطن، الذي أدى إلى إجراءات حكومية مكلفة جدا مثل دعم أسعار الوقود والطاقة، ودعم بعض السلع الضرورية للمواطن مع التكلفة الكبيرة التي تتكلفها الحكومة لذلك.
بعد توجه بعض المؤسسات الحكومية إلى سوق الدين سيكون لذلك آثار قد يلمسها المواطن قريبا في الأسعار، خصوصاً أن الأسعار الحالية لكثير من السلع لا يدعمها مسار الأسعار العالمية، إذ إن معظم أسعار السلع تراجعت بصورة ملحوظة خلال الفترة الماضية ولم تنخفض بالوتيرة نفسها في السوق المحلية، بل إن البعض منها بقي بالأسعار نفسها.
التوجه الحكومي لسوق الدين سيكون له أثر كبير في إدارة السيولة في السوق، إذ بلغت السيولة معدلات عالية جدا بل قياسية، وانخفاض معدل الفائدة أسهم في توجه كثير من الأفراد والمؤسسات إلى الاستدانة باعتبار أن تكلفتها قليلة جدا، وانعكس ذلك إلى توجه عكسي من تسييل الأصول إلى شرائها، باعتبار أنها سترتفع بوتيرة مضاعفة عن تكلفة الاستدانة، وعوضا عن أن تلجأ القطاعات الصناعية والاستثمارية والتجارية إلى بيع جزء من أصولها الاستثمارية لتغطية مشاريعها وتوسعاتها، نجد أنها تلجأ إلى الاستدانة، باعتبار أن تكلفتها منخفضة، وبسبب الوفرة المالية أصبحت المصارف تتساهل في شروط وحجم التمويل الذي تقدمه للمؤسسات والشركات، وهذا قد يفسر الارتفاع في أسعار الأصول سواء العقارية أو غيرها.
كما أن تكلفة الاستدانة -كما أكد ذلك وزير المالية- منخفضة حاليا، وهذا ما سيجعل تكلفة الاستدانة الحكومية منخفضة خصوصا مع استمرار الفائدة الأمريكية عند المستويات نفسها، وتوجهات "الاحتياطي الفيدرالي" لرفع الفائدة حاليا بوتيرة عالية فيه مخاطرة خصوصا بعد ارتفاع الدولار مقابل العملات الأخرى، ورفع الفائدة سيزيد من قيمة الدولار وبالتالي تكلفة المنتجات الأمريكية، حيث سيؤثر ذلك في تنافسية المنتجات الأمريكية مقابل الأوروبية والآسيوية، والإجراء الأخير للحكومة الصينية بخفض قيمة العملة الصينية "اليوان" تأكيد على حجم المجازفة التي سيؤدي إليها رفع سعر الدولار إلى ما هو أعلى من الأسعار الحالية.
هذا الإجراء الحكومي ينبغي أن يأخذ في الاعتبار أهمية العناية بإصدار الصكوك، إذ إنها الآن جزء من أدوات الدين التي توفرها السوق المالية السعودية، والإصدارات الماضية أثبتت نجاحها الكبير، وإمكانية استيعاب السوق لأضعاف ما هو موجود من الإصدارات، بل سيكون له أثر كبير في استقطاب استثمارات جديدة للمملكة لدعم توسع الاستثمار الأجنبي في السوق السعودية، إضافة إلى أنه سيمكن كثيرا من الأفراد من الاستفادة من هذه الإصدارات بالاستثمار فيها بدلا من المخاطر في استثمار جميع فوائضهم المالية واستثماراتهم في الأصول والأسهم عالية المخاطر، كما أن إصدار صكوك سيكون له أثر في استفادة المصارف المتوافقة مع الشريعة، والمؤسسات المالية أن تكون لها فرصة استثمارية مماثلة للمصارف الأخرى.
يتوقع أن يكون لوزارة المالية مجموعة من الإجراءات لمراقبة الدعم الذي تقدمه الحكومة للسلع والخدمات، حيث تقيم حجم الحاجة إلى استمراره عطفا على المتغيرات المحتملة مستقبلا، وتخفيف الدعم أو إلغائه لبعض السلع والخدمات قد يوفر كثيرا على الإنفاق الحكومي، وله أثر ايجابي في تخفيف الاحتياج إلى الاستدانة، ومن المهم إعادة تقييم الدعم الذي يستفيد منه القطاع الصناعي والتجاري، حيث إن المبالغة في الدعم قد تضعف من كفاءة تلك المؤسسات والشركات، وتكلف ميزانية الدولة كثيرا.
فالخلاصة إن إصدار سندات حكومية سيكون له أثر في إدارة السيولة في السوق المحلية، ما قد يؤدي تلقائيا إلى تحسن أسعار السلع والخدمات، وتوافر فرص استثمارية لاستيعاب السيولة لدى المصارف بدلا من إغراق سوق سواء في قطاع الأفراد أو الشركات بالدين، ومن المهم العناية بإصدار صكوك حكومية لتشجيع الأفراد على الاستثمار في أدوات منخفضة المخاطر، ولتوفير فرص مماثلة للمصارف والصناديق المتوافقة مع الشريعة.
(المصدر: الاقتصادية 2015-08-15)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews