هل تبقى أسعار النفط منخفضة لمدة أطول؟
لقد تعافت أسواق النفط في وقت سابق من هذا العام بعد أن شهدت تراجعا كبيرا خلال النصف الثاني من عام 2014، لكن في الأسابيع الأخيرة عادت أسعار النفط إلى المسار الهبوطي من جديد. حيث بدأت بالهبوط منذ منتصف شهر تموز (يوليو)، متراجعة بأكثر من 20 في المائة من الذروة التي وصلتها في شهر أيار (مايو). وفشل ارتفاع الطلب الموسمي في فصل الصيف في منع المخزون النفطي من الارتفاع أكثر.
وجاء هذا الهبوط في الأسعار متزامنا مع الانخفاض الحاد في أسواق الأسهم الصينية في أعقاب صدور مجموعة من البيانات الاقتصادية الضعيفة، حيث شهد مؤشر شنغهاي تراجع أكثر من 8 في المائة في جلسة واحدة في التعاملات الآسيوية، وهو أكبر انخفاض في يوم واحد منذ ثماني سنوات. والصين هي ثاني أكبر مستهلك للنفط في العالم. من العوامل الأخرى التي أثرت على أسعار النفط، وجود مزيد من الأدلة على أن اختلال التوازن بين العرض والطلب يزداد سوءا، مع ارتفاع عدد منصات الحفر في الولايات المتحدة، وصول صادرات النفط العراقية إلى مستوى قياسي شهري جديد، واستمرار دول الخليج العربي في ضخ المزيد من النفط.
كل من كان يتوقع بأن النصف الثاني من عام 2015 سيحقق انتعاشا في أسواق النفط، بدأ بإعادة التفكير مرة أخرى. حيث إن الأخبار للمصدرين غير مشجعة، من ضعف الطلب في الصين إلى مرونة إمدادات النفط الصخري في الولايات المتحدة.
لنبدأ مع العرض، حيث إن وفرة الإمدادات – وجود فائض بنحو 3.3 مليون برميل في اليوم في النصف الثاني من العام الحالي وفقا لوكالة الطاقة الدولية – أعطت مبررا لانخفاض أسعار النفط بنحو 15 في المائة، إلى 53 دولارا للبرميل، منذ بداية شهر تموز (يوليو) حتى ساعة كتابة هذا المقال. على الرغم من ذلك، لا يزال إنتاج النفط من البلدان الرئيسة قويا. إنتاج النفط الروسي لم يكن بعيدا عن مستوياته القياسية وتراوح عند 10.7 مليون برميل في اليوم. في كندا، شركات النفط تؤجل الاستثمار في مشاريع الرمال النفطية الجديدة، ولكن بحلول عام 2017 إنتاجها سيكون تقريبا 500 ألف برميل في اليوم أعلى من مستويات عام 2014، وذلك بفضل المشاريع التي يجري تطويرها الآن.
في الولايات المتحدة، أسعار خام غرب تكساس الوسيط عند 60 دولارا للبرميل في شهري أيار (مايو) وحزيران (يونيو) أدت إلى إيقاف نزيف منصات الحفر وحتى أعادت بعض المنصات المتوقفة إلى العمل مرة أخرى. كما أن انخفاض تكاليف الإنتاج، والتركيز على الآبار ذات الإنتاجية العالية وانخفاض أسعار الفائدة أسهمت في استمرار قوة الإنتاج لفترة أطول بكثير مما كان متوقعا. على الرغم من انخفاض عدد منصات الحفر العاملة بنحو 60 في المائة في النصف الأول من العام، لا يزال إنتاج الولايات المتحدة ينمو، ولو بوتيرة أقل، ومن المتوقع أن يصل إلى 9.5 مليون برميل في اليوم هذا العام، أي نحو 800 ألف برميل في اليوم أعلى من مستويات عام 2014 وفقا لوكالة الطاقة الدولية.
وصول إنتاج النفط السعودي إلى 10.56 مليون برميل في اليوم في شهر حزيران (يونيو)، وهو أعلى رقم شهري، أسهم أيضا في اختلال التوازن بين العرض والطلب. جزء من هذا الارتفاع يمكن تفسيره بزيادة الطلب المحلي في موسم الصيف، لكن هذا الارتفاع استراتيجي أيضا. حيث إن الإنتاج الأعلى سوف يرفع من الأساس الذي سوف يستند إليه أي توافق داخل منظمة أوبك على خفض الإنتاج، الذي سوف يصبح في نهاية المطاف مسألة ملحة. إيران من جانبها تسعى جاهدة إلى زيادة إنتاجها بعد رفع العقوبات. على الرغم من أن حجم وتوقيت هذه الزيادة لا يزال مجرد تخمين، إلا أن معظم التوقعات تشير إلى أنه في غضون عام قد تتمكن إيران من إضافة ما بين 0.5 إلى 1.0 مليون برميل في اليوم إلى إنتاجها الحالي. من الممكن أن يضيف كل من العراق وليبيا كميات مماثلة.
الطلب على النفط مصدر قلق هو الآخر، التكيف الاقتصادي للصين يعني أنها سوف تحتاج فقط 300 ألف برميل في اليوم إضافي في العام المقبل، أي معدل نمو بنحو 3 في المائة، وهذا دون معدلات النمو السابقة بكثير. الضعف الاقتصادي في أوروبا والبلدان الأخرى المنتجة للسلع الأساسية أثر أيضا على الطلب العالمي. في هذا الجانب تقول وكالة الطاقة الدولية، إن الاستهلاك العالمي ارتفع على أساس سنوي بنحو 1.8 مليون برميل في اليوم في الربع الأول من هذا العام - وتضيف لكن ذلك كان الذروة، وليس اتجاها جديدا. في العام المقبل تتوقع الوكالة أن ينمو الطلب على النفط بنحو 1.2 مليون برميل في اليوم، لكن هذا النمو سوف تتم تلبيته بالكامل من خلال ارتفاع الإمدادات الإيرانية والعراقية وحدها.
موجة البيع المفرطة للعقود الآجلة – تغيير سلوكيات المستثمرين- (المضاربين، المتداولين وصناديق التحوط) تلقي بظلالها أيضا على أسعار النفط. حيث إن النسبة بين مراكز الشراء إلى البيع هي الآن (2 إلى 1) مقارنة بنحو (15 إلى 1) في شهر تموز (يوليو) من العام الماضي و (4 إلى 1) الشهر الماضي، وفقا لبيانات التجارة الأمريكية. ما يشير إلى أن أساسيات العرض والطلب هي ليست السبب الوحيد لهذا الاتجاه الهبوطي في الأسعار. توقع ارتفاع معدل أسعار الفائدة في الولايات المتحدة في الخريف يعطي سببا إضافيا لهبوط الأسعار، حيث إن قوة الدولار الأمريكي تميل إلى خفض أسعار جميع السلع المسعرة بالدولار، بما في ذلك النفط.
الخلاصة أن جميع العوامل تتضافر في الوقت الحاضر من أجل التوصل إلى نتيجة معينة مفادها أن أسعار النفط ستبقى منخفضة هيكليا ولفترة طويلة من الزمن. لكن، ذلك قد يؤدي إلى اضطرابات جيوسياسية- يجب أن تراقب بعناية -. إذا ما هزت أزمات كبيرة الدول الرئيسة المصدرة للنفط تهدد تدفق النفط، عندها يمكن أن ترتفع الأسعار إلى مستويات قياسية، حتى في حالة بقاء الأسواق ضعيفة بنيويا.
(المصدر: الاقتصادية 2015-08-05)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews