انجازات اتفاق فيينا.. قبل الانقضاض على واشنطن
لا تتمثل أهمية الاتفاق الذي تحقق في فيينا فقط بالتسويات المفصلة التي استهدفت سد طريق ايران نحو النووي العسكري في العقد القريب بل وايضا – وهذا لا يقل أهمية – في حقيقة ان روسيا والصين موقعتان على الوثيقة. هذه لحظة نادرة في منظومة العلاقات المركبة التي بين الولايات المتحدة وبين الصديقتين الخالصتين لطهران والموردتين الاساسيتين للسلاح لها. فليست ايران وحدها التي تنازلت في المفاوضات الصعبة التي دارت حتى اللحظة الاخيرة بل موسكو وبيجين تعهدتا لها.
يحاول رئيس الوزراء تحقيق الاغلبية اللازمة في الكونغرس ضد الاتفاق. وسبق للرئيس اوباما أن أعلن بانه سيستخدم الفيتو على مثل هذا القرار، والذي يعني انهيار الاتفاق وشطب كل التنازلات التي قدمتها ايران. فبلا اتفاق، ستكون ايران حرة في العمل كما تشاء، فيما ان نظام العقوبات ضدها سيتفكك على أي حال، إذ ان الكثير من دول العالم ستسارع الى طهران كي توقع على عقود ربحية. وستفقد الولايات المتحدة عندها تأثيرها على ما يجري في الـ 18 شهرا المتبقية لانتهاء ولاية اوباما، وستكون قيادتها عقيمة ومهانة، فيما ستبقى اسرائيل فقط مع الخيار العسكري المستقل. وهذا ما قصده وزير الخارجية البريطاني فليب هموند بقوله ان نتنياهو لا يريد أي اتفاق مع ايران، مهما كان مضمونا.
ويتعزز انطباع هموند هذا في ضوء التغييرات الكبرى التي تجري تماما هذه الايام في الاستراتيجية الاسرائيلية. فبداية اعتقدت اسرائيل بان التهديد النووي هو خاص – وجودي ويجب معالجته على نحو منفصل عن كل موضوع آخر. وقد تجندت لهذه الغاية وحدها الاسرة الدولية بكاملها، وهذا هو الهدف الوحيد الذي من أجله فرضت العقوبات الجسيمة على ايران. وفازت اسرائيل في أن مهمتها يقوم بها الاخرون. فليست العقوبات الاسرائيلية هي التي اجبرت ايران على المثول للمفاوضات. اسرائيل ارادت أن يفعل الاخرون المطلوب، وهم بالفعل فعلوا ذلك.
صفحة الرسائل التي لدى الناطقين بلسان الحكومة تقلب رأسا على عقب الاستراتيجية الاسرائيلية السابقة في أنها تلغي تميز موضوع النووي. فمحاولة تغيير قواعد اللعب والادراج في الاتفاق لمطالب اخرى من ايران كالاعتراف باسرائيل ووقف الدعم للارهاب، تدل على ان نتنياهو ليس له أي مصلحة في الاتفاق مهما كان. فلو كان الموضوع النووي ذا أهمية وجودية مصيرية، فما المعنى من الغاء الاتفاق الذي يبعد ايران عن القنبلة من أجل محاولة الادخال اليه ايضا بنودا تتعلق بالارهاب، الذي لا بد لا يشكل تهديدا وجوديا على اسرائيل؟ في كل ما يتعلق بالارهاب اعلنت عقوبات اقتصادية ومالية اخرى، وهي ستبقى سارية المفعول.
ان الاعلان بان اسرائيل لن تكون ملزمة بالاتفاق هو اعلان زائد، وبرأي الكثيرين سخيف ايضا. فاسرائيل لم تكن ابدا طرفا في المفاوضات، وعلى أي حال فهي ليست ملزمة بنتائجها. لقد تنازلت ايران في سلسلة طويلة من المواضيع الحرجة – مجرد البحث في تفاصيل تفاصيل برنامجها النووي كان غريبا عليها، وفرضت عليها قيود جسيمة لـ 10 حتى الـ 15 سنة القادمة. في الشرق الاوسط العقد هو الأبد. ايران ايضا اضطرت الى الموافقة على نظام رقابة عميق وخاص لا مثيل له في العالم. فالاتفاق يسمح باجراء زيارات حتى للمواقع التي اعلن الزعيم الاعلى خامينئي أنه لن يسمح بدخول المراقبين لها وتقرر اجراء – معقد ولكن واضح – يعطي المحفل الذي توجد فيه اغلبية واضحة للغرب امكانية اعادة العقوبات حتى بدون موافقة روسيا والصين. وهذه مجرد قائمة جزئية للتنازلات.
قبل لحظة من الانقضاض على تلة الكابيتول بريادة السفير في واشنطن، من المهم ان يجرى في اسرائيل نقاش عميق في مسألة هي انعدام الاتفاق افضل من اتفاق تكون فيه عناصر حيوية لامن اسرائيل. لن يكون اتفاق آخر ولن تكون مفاوضات اخرى. وبين الاتفاق الموقع وبين عدم الاتفاق – ما الافضل؟
(المصدر: يديعوت 2015-07-21)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews