أينما كان التنافس مقيدا يكن الاقتصاد سيئا
ليس هناك عدد كبير من الأشياء ذات الطابع الأمريكي مثل موسيقى غيرشوين وهي تنساب من خلال مكبرات الصوت أثناء نزول الطائرة على المدرج. مع ذلك للمرة الثانية خلال شهرين، اضطرت شركة يونايتد إيرلاينز إلى إيقاف جميع الرحلات الجوية في الأسبوع الماضي بسبب خلل كمبيوتر. سواء كان تقلص المساحة المخصصة للأقدام، أو رفع الأسعار، أو إلغاء الرحلات، فإن أمريكا، موطن الطيران، هي الآن مرادف للخدمة السيئة. وفي الأثناء شركات الطيران الخليجية تحتل مكانها بسهولة ضد المنافسين في الولايات المتحدة، وشركات الطيران الآسيوية في عالم آخر. ومع استمرار إغلاق سماء الولايات المتحدة أمام الآخرين، هذه الفجوة ستتسع فقط. مركز الجاذبية بالنسبة للطيران العالمي يتحول شرقا مع تواطؤ سلبي من واشنطن.
الانكماش المستمر في شركات الطيران الأمريكية ليس لغزا. فأينما كان التنافس مقيدا، يكون أداء الاقتصاد الأمريكي سيئا - والعكس بالعكس. ولأن أربع ناقلات كبيرة تقتطع فيما بينها 80 في المائة من السفر الداخلي، تعتبر الخدمة دون المستوى المطلوب. الأمر نفسه ينطبق على صناعة إنترنت الكابل الأمريكية، التي تهيمن عليها مجموعة من الشركات العملاقة. جودة الإنترنت في الولايات المتحدة تعتبر راكدة بالنسبة لسنغافورة، مثلا، كحال تجربة ركوب الطائرة في مطار جون كينيدي مقابل ركوبها في شانغي. في تصنيف "سكاي تراكس"Skytrax لشركات الطيران العالمية، الذي يصوت فيه الزبائن، تأتي شركة دلتا إيرلاينز في صدارة شركات الطيران الأمريكية وفي المركز 45 في التصنيف. وهيمنت آسيا والشرق الأوسط ومعهما شركة أو اثنتان من أوروبا على المراكز المتقدمة. وينطبق الشيء نفسه تقريبا على ترتيب المطارات العالمية.
العلاج الواضح هو فتح سماء الولايات المتحدة أمام الشركات الأجنبية. إلا أن أكبر شركات الطيران الأمريكية – يونايتد ودلتا - تدفعان في الاتجاه المعاكس. فهي تريد من وزارة العدل الأمريكية سحب حقوق السفر إلى وجهات أمريكية من شركات الطيران الثلاث الكبرى الخليجية ("الإماراتية" و"القطرية" و"الاتحاد للطيران") على أساس أنها استفادت مما قيمته 42 مليار دولار من الدعم الحكومي في العقد الماضي. ويسمون هذا "الأجواء العادلة"، في مقابل الأجواء المتنوعة المفتوحة.
هذه هي بالتأكيد طريقة واحدة للنظر في ذلك. نقابات الطيارين والمضيفات تدعم شكواها. جزء من حجة الشركات يقوم على أسس سليمة. الاتحاد للطيران، الناقل الجوي الذي مقره أبو ظبي، أنشئت قبل عشر سنوات فقط إلا أنها تعد الآن واحدة من أكثر الشركات حركة في العالم. دون هبات الدولة من الصعب أن نتصور حدوث ذلك.
لكن في أي وقت تستخدم فيه أية صناعة كلمة "عادلة"، ينبغي أن تنطلق أجراس الإنذار. إليكم وسيلة أفضل للتفكير في الموضوع. استفادت شركات الطيران الأمريكية من ميزة هائلة من الفصل 11 في القانون التجاري الأمريكي، الذي يعتبر قانون الإفلاس. بداية مع شركة يونايتد في عام 2002، تعرضت معظم شركات الطيران الأمريكية الكبرى للإفلاس في مرحلة ما. لقد مكنها القانون الأمريكي من إعادة هيكلة الديون، والتنصل من تكاليف الرعاية الصحية للموظفين المتقاعدين، والبقاء على قيد الحياة للطيران في يوم آخر. ودفعت الأزمة على مستوى الصناعة أيضا نحو عمليات الدمج وتقلصت السوق لتضم ثلاث شركات طيران كبيرة فقط، إضافة إلى شركة ساوث ويست. وهناك شركة خامسة، فيرجن أميركا، تقضم على الحواف.
وما من شركة من هذه الشركات لم تأخذ دعما حكوميا مباشرا. بأسعار اليوم، استفادت شركات الطيران الأمريكية من 155 مليار دولار من المساعدات الحكومية في نصف القرن الماضي، وفقا لتقرير للحكومة الأمريكية. وبعد سنوات من تسجيل الخسائر، تعود شركات الطيران إلى الربحية. فقد حققت شركات الطيران الأمريكية مكاسب بلغت 25 مليار دولار تقريبا منذ 2013، بعد خسارة تراكمية بلغت 33 مليار دولار في العقد السابق. ومع ذلك لم يكن المستهلكون قط أقل سعادة. وفي قضية منفصلة، قالت وزارة العدل الأسبوع الماضي إنها كانت تحقق في تواطؤ بين شركات الطيران الأمريكية الثلاث الكبرى فيما تزعم أنه توافق على إبقاء الأسعار مرتفعة على الخطوط الرئيسة لبعضها بعضا. في الصناعة يطلقون على هذا كلمة "انضباط". المستهلكون يسمونه تلاعبا. ما الذي يتطلبه الأمر لجعل الولايات المتحدة تصبح تجربة طيران ممتعة مرة أخرى؟
الحل الوحيد هو الأجواء المفتوحة. الاعتراض هو أن الولايات المتحدة ستكون منزوعة السلاح من جانب واحد. من خلال فتح سماء أمريكا لشركات أجنبية دون حقوق متبادلة، سيكون ذلك بمنزلة خطوة نحو إفلاس شركات الطيران الأمريكية مرة أخرى. أفضل الشركات الأجنبية هي أفضل بكثير من نظيراتها في الولايات المتحدة - وفي معظم الحالات، أكثر ربحية بكثير - إلى درجة أنها سوف تسرق كل أعمالها. ومع ذلك، الشيء نفسه ربما يحدث حتى لو كانت الأجواء المفتوحة متبادلة. فمن الصعب أن نتصور يونايتد أو دلتا وهي تحل مكان كاثي باسيفيك أو الإماراتية، في ديارهم. ويشير كل من الواقع والنظرية التجارية إلى أن المستهلك سيكون أفضل حالا إذا فتحت الولايات المتحدة السماء من جانب واحد.
وهذا هو أيضا رأي علم النفس. الفجوة الحقيقية بين آسيا والولايات المتحدة هي أن الشركات الآسيوية تتنافس حول الجودة في حين تتنافس شركات الطيران الأمريكية حول السعر. لكنها تفعل ذلك فقط عن طريق خداع المستهلك. مقابل كل دولار تنفقه على رحلة يضاف جزء كبير من "الفكة" في تكاليف خفية. سعر التذكرة لا يشمل وجبة الطعام، وإدخال الأمتعة، والالتزام بالمواعيد، أو خدمة واي فاي. إذا حدث أن توافرت في الطائرة التي تركبها شاشات على المقعد، هناك احتمال أنها لا تعمل. وإذا كانت تعمل، يجب عليك أن تمرر بطاقة الائتمان حتى تفتح. وحتى بعد أن تدفع ثمن طعامك، فإن مستوى الوجبة يشكل انتهاكا لحقوق الإنسان (وهذا القول يأتي مني، أنا الشخص البريطاني). وفي الوقت نفسه، متوسط المقياس للطيران المحلي الأمريكي - مقياس الصناعة لحجم المقعد - تقلص من متوسط 33 بوصة قبل عقد من الزمن، إلى مجرد 31 بوصة اليوم. هذا في الوقت الذي نما فيه متوسط حجم الخصر. ويتوقع المستهلك الأمريكي مستوى أقل من أبناء عمومته الآسيويين أو الأوروبيين - ويتلقى مستوى أقل. لن تغير الشركات هذا الوضع إلا إذا وجدت نفسها في مواجهة صدمة المنافسة.
هل هذا ممكن الحدوث؟ الاحتمالات ضئيلة. نفوذ شركات الطيران الكبرى في واشنطن يفوق مشاكل الملايين من الناس المصابين بالإحباط. وينطبق الشيء نفسه على القطاعات الأخرى المحظورة على الأجانب. وإلى أن يجد المستهلك الأمريكي صوته مسموعا مرة أخرى، فإن الفجوة بين الشركات الأمريكية وبين أفضل الشركات في العالم ستستمر في الاتساع.
(المصدر : فاينانشال تايمز 2015-07-15)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews