صفقة أوروبا المجنونة مع اليونان
بعد اجتماع قمة استمر 17 ساعة، توصل قادة أوروبا لاتفاق يقضي بأنه حال تمرير البرلمان اليوناني لحزمة من الإصلاحات بحلول مساء الأربعاء، فإن دائني البلاد سيتحركون قدمًا نحو طرح إعانة مالية ثالثة بشروط أكثر صرامة بكثير عن العروض السابقة.
حال مضي هذا الاتفاق قدمًا فإنه سيجنب البلاد الفوضى الفورية المترتبة على خروج اليونان غير المنظم من منطقة اليورو، وسيمكن القادة الأوروبيين من تناول قضايا أخرى لبعض الوقت. إلا أن هذا الاتفاق للأسف لا يتناول أيا من القضايا الجوهرية التي ألقت بأوروبا مرارًا في أزمات متعاقبة منذ عام 2009. تكمن القضية المحورية في أنه رغم قدرة الاتحاد الأوروبي على التعامل مع اقتصادات تنتمي لأنماط شديدة التنوع ومستويات مختلفة من التطور، فإن منطقة اليورو تعجز عن ذلك. يذكر أن إجمالي الناتج الداخلي بالنسبة للفرد في اليونان كان يكافئ قرابة نصف نظيره في ألمانيا وقت انضمامها لمنطقة اليورو عام 2001. ومنذ ذلك الحين تراجعت القدرة التنافسية لليونان مقارنة بألمانيا بمقدار يقارب 40 في المائة.
وبالنسبة لاتحاد عملة يتعامل مع اقتصادات شديدة التنوع، فإنه يتعين دمج هذه الاقتصادات بعمق داخل الاتحاد عبر عدة أبعاد. داخل الولايات المتحدة، يجني المواطن العادي في ميسيسيبي 20.168 دولار فقط سنويًا، مقارنة بـ37.892 دولار في كونيتيكت - وهي فجوة ضخمة تكافئ تقريبًا الفجوة بين اليونان وألمانيا. ومع ذلك، لا تشعر الولايات المتحدة بالقلق حيال خروج ميسيسيبي من اتحاد الولايات المتحدة، وذلك لأن البلاد تملك آليات متنوعة لتخفيف حدة الاختلافات بين ولاياتها. وتكشف المشكلات الأخيرة التي ضربت بورتوريكو خطر التعرض للسجن داخل قضبان عملة ما من دون توافر آليات حماية.
وتتضمن آليات الحماية إجراءات النقل المالي الضخمة - تشكل اتحادات العملة بطبيعتها اتحادات نقل أموال. العام الماضي، بعثت 28 ولاية أميركية ما يكافئ 2.3 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي عبر الميزانية الفيدرالية إلى الولايات الـ22 الأخرى. أكبر المتبرعين كانت ديلاوير التي قدمت 21 في المائة، بينما كانت نورث داكوتا أكبر المتلقين لهذه الأموال، بنسبة 90 في المائة. في المقابل، فإن إجمالي إسهام ألمانيا خلال عام 2011 من إجمالي الناتج الداخلي لها في ميزانية الاتحاد الأوروبي بلغ 0.2 في المائة، بينما تلقت اليونان 0.2 في المائة، فهل يمكن أن يؤيد الناخبون الألمان بالفعل زيادة إسهاماتهم بمقدار عشرة أضعاف من 210 يوروات إلى 2100 يورو للفرد؟
ولا تمثل إجراءات التحويل المالي الضخمة الآلية الوحيدة المطلوبة. يذكر أن ميسيسيبي ربما تعاني من عجز يكافئ ما تعرضت له نيويورك منذ «الحرب الأهلية». في كل أبريل (نيسان)، تعيد المصارف التابعة لمنظومة الاحتياطي الفيدرالي تخصيص أصول في إطار جهودها لتناول غياب التوازنات المحلية. في المقابل، عندما عانت اليونان من عجز في مواجهة ألمانيا ـ نتيجة التعاملات التجارية مع ألمانيا، على سبيل المثال، أو هروب رؤوس الأموال من اليونان - تراكمت الديون على عاتق مصرفها المركزي لحساب المصرف الاتحادي الألماني بلا نهاية. والآن، يحتفظ المصرف الاتحادي الألماني باعتمادات تزيد على 500 مليار يورو في مواجهة مصارف مركزية أخرى داخل منطقة اليورو. وهنا يظهر مجددًا التساؤل: هل سيتقبل دافعو الضرائب الألمان مشاهدة تنازل المصرف الاتحادي الألماني باستمرار عن جزء من هذه المستحقات؟
مرة أخرى نجد أن ألمانيا ودولا أخرى بالاتحاد الأوروبي رفضت صراحة أي نمط من الإجراءات على مستوى منطقة اليورو على صلة بالسندات السيادية بهدف دعم العجوزات. وأخيرًا، تتميز الولايات المتحدة بسوق واحدة للمنتجات والخدمات والعمالة، بجانب اتحاد مصرفي وطني بالمعنى الحقيقي، وهي أمور لم تكتمل حتى الآن داخل أوروبا. وكان من شأن غياب أسواق مندمجة بصورة حقيقية السماح لمعدلات الفائدة والتضخم بالتنوع عبر مختلف أرجاء منطقة اليورو، مما أدى إلى غياب التنافسية وحدوث تعثر في الجنوب.
وعليه، نجد منطقة اليورو محاصرة في حالة من الخلل الوظيفي، حيث أخفقت في التحول لحالة من الاتحاد الكامل، وفي الوقت ذاته عجزت عن إقرار آليات أكثر مرونة لتحديد سعر الصرف. وعليه، أصبح لزامًا على اليونان أن تصبح أشبه بألمانيا (أمر غير محتمل)، وعلى منطقة اليورو أن تصبح أشبه بالولايات المتحدة (غير محتمل أيضا)، وإلا سنواجه جميعًا كارثة (محتمل للغاية).
وهناك حجة مضادة تقول بأن تقليل حجم الألم المترتب على خروج اليونان من منطقة اليورو سيشجع آخرين على الفرار، ما يهدد بتداعي المشروع الأوروبي برمته.
(المصدر: بلومبيرغ 2015-07-15)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews