معركة درعا امتحان صعب لنظام الأسد
نشر تقرير حول معركة "عاصفة الجنوب" التي أطلقها الثوار ضد قوات النظام في جنوب سوريا، تناول فيه الأهمية الإستراتيجية لهذه المعركة بالنسبة للطرفين، والجهود الكبيرة التي يبذلها النظام لتفادي الهزيمة في هذه المنطقة.
وقال التقرير، إن مقاتلي المعارضة في جنوب سوريا، على غرار نظرائهم في الشمال، الذين نجحوا في السيطرة على عدة مدن مثل إدلب وجسر الشغور خلال الربيع، قرروا بدورهم المرور للسرعة القصوى. فبعد أربع سنوات من المعارك المتقطعة، والهجمات الخاطفة على جانبي خط الجبهة الذي يقسم مدينة درعا إلى نصفين، أطلقت قوات المعارضة يوم الخميس الماضي هجوما شاملا بهدف تحرير درعا التي تعد مهد الثورة السورية.
وشهدت ساعات الفجر الأولى من يوم الخميس الماضي إطلاق سلسلة من القذائف على الجزء الشمال الغربي من المدينة، الذي تتمركز فيه قوات بشار الأسد. وتتركز المعارك -التي أوقعت حتى الآن نحو أربعين قتيلا-، في مجموعة من الحواجز العسكرية المحيطة بهذه المنطقة، وعلى الطريق السريعة المؤدية إلى دمشق، التي تمثل شريان الحياة لتموين قوات النظام.
ويقول نواه بونسي، المحلل السياسي في مجموعة الأزمات الدولية في بيروت، أن "معركة درعا تمثل اختبارا للنظام السوري، فمنذ الانتصارات التي حققتها المعارضة في منطقة إدلب، كان الأسد مترددا بين خيار تريده إيران، وهو التراجع للخلف وتجميع كل قواته على محور دمشق حمص اللاذقية، العمود الفقري للبلاد، وخيار يريده هو، وهو إرسال تعزيزات لدرعا حتى لا يظهر أنه لم يعد قادرا على الصمود في المناطق الجانبية".
وتكتسي معركة درعا في الجنوب أهمية كبرى، ما دفع بجميع الفصائل المقاتلة إلى الانضواء تحت لواء الجيش السوري الحر، بما في ذلك جبهة النصرة. ونقلت في هذا السياق عن أحد مسؤولي الإغاثة الفرنسيين، أن "النظام أمكن له بعد هزيمته في الشمال إلقاء اللوم على التحالف الدولي، بسبب مشاركة بعض المجموعات المتشددة، ولكنه يعلم أن موقفه سيكون محرجا جدا عندما ينهزم في الجنوب على يد قوات يقودها الجيش الحر، ولن يكون بإمكانه استعمال فزاعة الحركات الإرهابية".
وكثفت قوات النظام السوري من قصفها لمناطق المعارضة في الأسابيع الماضية، لأنها توقعت اقتراب هذه المواجهة. وبالإضافة للبراميل المتفجرة التي اعتاد النظام على استعمالها، تم اعتماد اسطوانات معبأة بالمسامير ومادة "تي إن تي" الشديدة الانفجار، يتم رميها عشوائيا من الطائرات العمودية على المناطق السكنية، خلال ساعات الليل عندما تكون الرؤية منعدمة، وهو ما يثبت أنها لا تستهدف مكانا محددا.
وأرسلت قوات المعارضة، على غرار ما فعلته في إدلب، تحذيرا إلى قوات النظام قبل 24 ساعة من انطلاق العملية التي سميت "عاصفة الجنوب"، وطلبت منها إخلاء مدينة درعا حقنا للدماء، ولكن قوات الأسد رفضت ذلك، وهو ما يشير إلى أن تعليمات القيادة المركزية تنص على التمسك بهذه المدينة.
من جهة أخرى، أن الفرار المفاجئ لقوات النظام، من إدلب وجسر الشغور وتدمر، يعطي الإنطباع بأنه غير استراتيجيته، التي كانت تقضي بنشر القوات في الأركان الاربعة للبلاد، بهدف منع المعارضة من تجميع قواها وشن هجوم مركز على دمشق، وأصبح يعتمد استراتيجية معاكسة تماما، تتمثل في تجميع ما تبقى له من قوات في المنطقة الأكثر أهمية، وهو الخيار الذي يصر عليه علي مملوك، رئيس جهاز المخابرات السورية.
ويقول مصدر دبلوماسي يمتلك اتصالات قوية داخل النظام، أن "الأسد والمحيطين به يعتقدون أنهم يمكنهم تجاوز الأزمة الحالية، عبر العمل على خلق الانقسامات داخل فصائل المعارضة، وإرباك تحركاتهم عبر السماح بتقدم تنظيم الدولة، والحصول على المزيد من الدعم من إيران وروسيا".
وأضاف أن إيران أرسلت في الفترة الماضية تعزيزات تتراوح بين 7 آلاف و10 آلاف مقاتل، تتكون في أغلبها من مليشيات شيعية عراقية. كما أعلنت طهران أنها ستعقد في الأيام القادمة قمة في بغداد، مع حليفيها السوري والعراقي، "من أجل تعزيز جهود مكافحة الإرهاب في المنطقة".
ويسعى النظام لرفع معنويات جنوده، عبر زيادة أجورهم بمبلغ 37 دولارا، وهو مبلغ يعني مضاعفة أجرة الجندي البسيط. كما تم إصدار تعليمات للقيادات بالتواجد في الصفوف الأمامية، لتجنب الشعور السائد لدى الجنود بأنهم تركوا بمفردهم في الواجهة.
كما قرر النظام السماح للشباب الفار من الخدمة العسكرية بالانضمام لمليشيات موازية للجيش، لإقناعهم بالمشاركة في المعارك الدائرة، وقد تم إنشاء مليشيا في مدينة اللاذقية المهددة بتقدم الثوار من إدلب، أطلق عليها قوات "درع الساحل"، بعد أن عرض مبلغ 210 دولار لكل من ينضم إليها.
وتساءل إن كانت هذه الإجراءات ستمكن النظام من استعادة قوته الهجومية التي فقدها منذ الشتاء الماضي؟ وقال إن قلب الموازين لصالح النظام تستوجب دفع إيران بعدد أكبر بكثير من المقاتلين.
وأضاف أن انهيار النظام في الوقت الحاضر يبدو بعيدا، إلا إذا حدث انقلاب من داخله. ولكن هزيمة جديدة في درعا ستسلط الضوء على فشل مخططاته، والتقهقر المتواصل لقدراته، وستمثل نقطة تحول في هذا الصراع الذي لا تبدو نهايته قريبة.
(المصدر: لوموند 2015-06-28)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews