فلسطين : نكبة الضمير الإنساني
اعتدنا - نحن الشعوبَ العربية - الاحتفال والاحتفاء بانتصاراتنا المجيدة ليس بدءا بحرب تشرين " التحريرية " ولا انتهاء بها ، وما سبقها من غزواتٍ وحروبٍ وانتصاراتٍ نهللُّ لها ونصفق ونرفع الأعلام ونهزج الأناشيد الوطنية ونتباهى بأفصح الخطب وأبلغ الكلمات بأمجادنا وبطولاتنا.
لاشك أن هذا حق لكل شعبٍ ودولة أن تحتفي ببطولاتها وجلاء محتليها وانتصاراتها، لكن ماذا بعد ؟! .
ماذا عن خيباتنا ؟! وهزائمنا ، ونكوصنا إلى الخلف در ، في معادلة القوة والعلم ، وإلى متى سنبقى نحتفي بالماضي دون التحرك باتجاه التحديات والأزمات المعاصرة التي تعاني منها المنطقة والأمة العربية اليوم ، وفي المستقبل ؟؟ .
ما الذي نقدمه اليوم كدول عربية : قيادات وشعوبا ، تجاه القضية الفلسطينية التي نعيش هذه الأيام ذكرى نكبة شعبها الخامسة والستين ؟! كيف نتحرك بخطوات مدروسة من أجل الوصول إلى حل سياسي لها ؟.
في الخامس عشر من الشهر الحالي حلت ذكرى النكبة الفلسطينية التي تعاملت معها وسائل الإعلام كحدث ضخم لمدة يومٍ واحد.. فعرضت العديد من الصور والفيديوهات التي ترصد هذه النكبة وتعكس آثارها في ١٥/٥/١٩٤٨ الذي يُعتبر تأريخا لبداية التشرد والمعاناة لشعب بكامله ، في حين أن المأساة الإنسانية بدأت قبل ذلك وهي مستمرة لغاية اليوم من خلال محاولات المحتل الإسرائيلي إبادة ما تبقى من القرى والبلدات الفلسطينية وتهجير سكانها وطمس الهوية الفلسطينية بهدم معظم معالم المجتمع السياسية والاقتصادية والحضارية ومحو الأسماء العربية وتبديلها بأسماء عبرية .. إلخ ..
نكبة فلسطين هي نكبة الضمير الإنساني، فإسرائيل مستمرة في مخطاطاتها الإستيطانية وإرساء قواعدها في أرض فلسطين ، محمية من الغرب وبتواطؤ عربي وصمت مسيحي وإسلامي.
ما هو واجبنا كعرب تجاه الشعب الفلسطيني الصابر المكافح ، هل نتركه وحيداً يواجه غطرسة المحتل الذي تمادى في غيه ، وتوغل في حقده وإجرامه ؟ .
هل يكفي أن تُخصص وسائل الاعلام العربية بكافة أشكالها المرئي والمسموع والمقروء نهاراً كاملاً للحديث عن النكبة وآثارها ونتائجها وحجم هذه المأساة الإنسانية، وتستقبل الضيوف من المحللين السياسيين الجهابذة ليدلوا بدلوهم ، ومن ثم ننتقل إلى حدث آخر وتغطية آخرى؟!!
اليوم وبعد مرور ٦٥ عاماً على جرح النكبة العميق في قلوب الفلسطينيين ، ما تزال القدس المحتلة " بيت المقدس " وغيرها من مناطق الضفة الغربية والداخل المحتل نكبة متجددة من خلال ممارسات الاحتلال ومستوطنيه.. وما تزال قوات الاحتلال تنفذ مشاريعها ومخططاتها الصهيونية في المدينة المقدسة، بالإضافة إلى الممارسات اليومية المتمثلة في الاعتقال والطرد والإبعاد والتضييق بحق سكان المدينة الفلسطينيين وتحويل حياتهم إلى معاناة يومية.
لقد اعتدنا صور النزوح والمخيمات الفلسطينية، وصارت هذه الصور بالنسبة للمشاهد العربي وحتى الغربي مجرد صور من الأبيض والأسود.
٦٥ عاماً مرت بدون أي تحرك سياسي مؤثر من جانب الدول العربية .. سنوات طويلة كفيلة بتحويل هذه النكبة إلى أرشيف من الصور نستعيده عاماً بعد عام لنؤدي دورنا الوظيفي الروتيني.
ها هو عمر النزوح السوري ومخيمات اللاجئين السوريين يقطع عامين أسودين من حياة شعب كريم طيب ، وها هو الجمهور العربي - بالمقابل - يستمرئ المشاهد اليومية المتكررة في نشرات الأخبار دون أن يشعر بحقيقة المأساة الإنسانية فيتحرك على الأقل مستنكراً إياها مؤسساً للوبي شعبي مؤثر ذي بال ، يستنهض الهمم ، ويبث العزيمة .
أيها السادة :
إن مؤتمراتكم وندواتكم عن النكبة لن تغني فلسطين وشعبها شيئا ، ولن تزيد الأجيال القادمة إلا ترددا وخمولا ، فابحثوا عن طريق جديد يوصلكم إلى موطئ قدم لكم بين الأمم ، وتذكروا بأنه لا مستقبل لكم ولا للمنطقة بأسرها ما لم تحل هذه القضية سياسيا ، طالما أن وسائل التحرير الأخرى ماتت منذ خروج أول طفل فلسطيني من قريته، وآخر عجوز من حقله بفعل " الهاغاناة " وإجرام " بلفور " الذي منح ما لا يملك لمن لا يستحق .
د.فطين البداد
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews