وإذا سألوك عن الصندوق السيادي!
طالعتنا الصحف ووسائل الإعلام المختلفة خلال الأسبوع الماضي بأخبار عن اعتزام الدولة تأسيس صندوق سيادي (أي حكومي) للاستثمار بالاشتراك مع بعض الصناديق السيادية العربية والأجنبية. الصندوق المزمع إنشاؤه »أملاك« يستهدف تجميع الأموال وتوجيهها لإنشاء المشروعات. فكرة الصندوق تقوم علي أن تخصص له الحكومة المصرية مبلغا محددا من المال وتخصص الصناديق الحكومية العربية والأجنبية مبلغا مماثلا ويدخل القطاع الخاص ببقية المبالغ المطلوبة للاستثمار في المشروعات التي يتم اختيارها. طبقا للتصريحات المعلنة لوزير التخطيط التصور المطروح أن تكون مساهمة الحكومة المصرية 10 مليارات جنيه، يقابلها عشرة مليارات من الصناديق العربية والأجنبية ويتم دعوة القطاع الخاص للمشاركة بحصة يمكن أن تصل إلي 80 مليار جنيه. إذن نحن نتحدث عن اقتراح أو تصور مطروح من الحكومة لاجتذاب وتمويل مشروعات في حدود 100 مليار جنيه. جميل.. علي خيرة الله.
السؤال الذي لا بد وأن يقفز إلي الأذهان هو هل تعني هذه الأخبار عودة الدولة للمشاركة في ريادة الأعمال وإنشاء المشروعات؟. طبعا لا يفوتنا أن التجربة مع القطاع الخاص المصري وبالتحديد كبار رجال الأعمال علي مدار العام الماضي كانت مخيبة للآمال بكل المقاييس. رجال الأعمال لم يكفوا عن فرض الشروط والإملاءات علي الحكومة وعلي المواطنين كي يقوموا بدورهم المفترض في الإنتاج والاستثمار. لم يكفوا عن التهديد بإغلاق المشروعات وتشريد العمالة. لم يتوقفوا لحظة عن المطالبة بالإعفاءات الضريبية ودعم الصادرات وتخفيض قيمة الجنيه المصري والامتناع عن تطبيق الزيادة في أسعار الغاز الطبيعي والمنتجات البترولية واستصدار قرارات فرض رسوم الإغراق التي تكفل لهم الانفراد بالسوق المحلي وبيع منتجاتهم لنا بأعلي من الأسعار العالمية، بل ونجحوا في استصدار تعديلات قانونية تكفل حمايتهم من المساءلة الجنائية في قضايا الإضرار العمدي بالمال العام وتهدر أحكام القضاء بشأنها حتي ولو كانت أحكاما نهائية.
نعود إلي السؤال الأصلي: هل الإعلان عن تأسيس الصندوق السيادي يعني عودة الدولة إلي إنشاء المشروعات؟ هنا لا بد من التأكيد علي أن الصيغة التي اختارتها الحكومة هي صيغة صناديق الاستثمار، وهي صيغة تتناسب مع السياسة الاقتصادية المعلنة والتي تقوم علي تبني نظام السوق والاعتماد علي القطاع الخاص. صناديق الاستثمار يقوم بإدارتها عادة مؤسسات مالية محترفة تدخل في المشروعات وتخرج منها وفقا لمعدلات العائد المحققة مستهدفة تحقيق أعلي عائد ممكن من مجموعة المشروعات التي يسهم فيها الصندوق ككل. الإدارة المحترفة للصندوق هي المسئولة عن اختيار المشروعات والتأكد من جدواها و كفاءة إدارتها و تحقيقها لمعدلات الربحية التي تستهدفها إدارة الصندوق، وهي التي تقرر الخروج من أي مشروع في الوقت الذي تراه مناسبا و تختار المشروع البديل الذي يتم توجيه تلك الأموال إليه. الدولة هنا مجرد مستثمر مالي يسعي لتعظيم العائد علي المليارات العشرة التي يساهم بها في رأسمال الصندوق، والحصول علي تدفقات مالية تغذي الموازنة العامة، علي حد تعبير وزير التخطيط.
التصريحات المتناثرة لبعض الوزراء تشير إلي أن الصندوق السيادي المصري المزمع تأسيسه سيكون بالاشتراك مع صندوق سيادي روسي وصندوق أبو ظبي للاستثمار. إلا أنه من غير الواضح هل سيقتصر الصندوق علي إنشاء مشروعات جديدة أم سيتجه إلي امتلاك حصص في مشروعات قائمة بالفعل. هل نتصور مثلا أن يوجه الصندوق جزءا من أمواله لشراء حصة في مشروع خاص ناجح ومربح؟ ثم ما هي طبيعة المشروعات الجديدة التي سيستثمر فيها الصندوق؟ وزير التخطيط يقول إن الصندوق سيركز علي مشروعات البنية الأساسية وخاصة الطاقة والطرق والسكك الحديدية. ووزير الصناعة يقول إن الاتفاق مع الجانب الروسي يركز علي السكك الحديدية وصناعة الأدوية. في كل الأحوال من حقنا أن نتساءل فيما يتعلق بمشروعات البنية الأساسية، إذا كان المستهدف للصندوق أن تصل موارده إلي 100 مليار جنيه تسهم الدولة فيها بعشرة مليارات فقط، فهل يعني هذا أننا يمكن أن نصحو ذات يوم لنجد مرفق مياه الشرب أو جزءا من شبكة الطرق أو هيئة السكك الحديدية وقد أصبحت مملوكة للقطاع الخاص ولحكومات دول أجنبية؟
ومن ناحية أخري، فإننا رغم اتفاقنا التام مع الحكومة في سعيها لتحقيق أعلي عائد من استثماراتها إلا أن هذا يجب ألا يعني التوجه مثلا إلي المشروعات الترفيهية أو بناء المنتجعات بحجة أنها الأعلي ربحية. نريد مشروعات عامة إنتاجية زراعية وصناعية تعمل وتدار وفقا لمعايير الكفاءة والتنافسية. نريد التركيز علي مشروعات تستجيب لأولويات التنمية وتزيد من قدرة الاقتصاد المصري علي الوفاء باحتياجات القاعدة العريضة من المواطنين وتخرج بنا من دائرة الاعتماد علي الخارج والوقوع تحت رحمة تقلبات الأسواق الدولية.
الدولة يمكن أن تقود ريادة الأعمال والتنمية حتي في إطار صيغة صناديق الاستثمار وفي إطار اقتصاد السوق. مساهمة الدولة بحصة في مشروع جيد مدروس يمكن أن تشكل عنصرا جاذبا لرأس المال الخاص كي يستكمل رأس المال اللازم، وبعد نجاح المشروع ووقوفه علي قدميه وزيادة القيمة الفعلية لمساهمة الدولة، يمكنها أن تتخارج وتستخدم الأموال التي تحصل عليها في إنشاء المزيد من المشروعات التنموية الجديدة والمزيد من الاستثمارات المشتركة. اليابان استخدمت تلك الآلية، فهل تفعلها حكومتنا؟.
(المصدر: الأهرام 2015-06-21)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews