حماس تستمر في انتاج الصواريخ لكنها مستعدة لوضع الجهاد جانبا والتركيز على تقوية سلطتها
توجهت الانظار هذا الاسبوع الى الشمال بقلق على سلامة الدروز وراء الحدود. يمكن أن تستطيع اسرائيل مساعدة القرية الدرزية الخضر في هضبة الجولان السورية وانشاء منطقة حماية هناك بالقرب من الحدود. لكنها لن تستطيع – ولا يجب أن تتدخل – فيما يحدث في جبل الدروز وعاصمته السويداء، حيث تسكن اغلبية أبناء الطائفة في سوريا.
مع الأسف على موت 300 ألف انسان في الحرب السورية حتى الآن، فقد أحسنت اسرائيل صنعا في البقاء بعيدة عن هذه الحرب ويفضل الاستمرار في هذه السياسة. لكن اسرائيل ما زالت تتجاهل ما يحدث عند الجيران القريبين، الفلسطينيون، الذين لا يحب أحد التعامل مع موضوعهم، في حين أنهم الموضوع الاكثر الحاحا.
أعلنت حماس هذا الاسبوع أنها تدرس اقتراح وقف اطلاق النار بعيد المدى في القطاع. في اسرائيل لم يتطرقوا لذلك تقريبا، لكن الحديث هنا عن تغيير دراماتيكي يحدث في القطاع ويمكنه توفير الهدوء لسكان الجنوب لبضع سنوات. قطر هي التي تدعم هذا الاقتراح وتتحدث عن اقامة ميناء عائم أمام شواطيء غزة واسرائيل لا ترفض هذا الاقتراح، لكنها لا تحاول السير في هذا بالفعل.
لقد حدث تحول مفاجيء في العلاقات بين مصر وحماس في الاسابيع الاخيرة. فقد تحولت الحركة الفلسطينية من عدو في نظر المصريين الى من يمكن التعاون معها في الصراع ضد ألد الأعداء – داعش. هذا لا يعني أن مصر السيسي تؤيد حماس، لكنها مستعدة لتحمل وجودها. وهنا ايضا كانت قطر وراء هذه المصالحة الجزئية.
الحديث هنا عن خشبة انقاذ لحماس، التي رأت أنه منذ عملية الجرف الصامد كيف بدأ ينهار ما قامت ببنائه بسبب الحصار المصري والاسرائيلي. هذه المنظمة، التي تعتبر نفسها السيد الاخير لحركة الاخوان المسلمين المتبقي في المنطقة، تصر على الحفاظ على ما يسمى “المشروع″ – منطقة جغرافية مستقلة في القطاع. حماس لن تتنازل عن الشعارات الكلامية للصراع ضد اسرائيل، لكنها مهيأة لوضع الجهاد جانبا والتركيز على تعزيز سلطتها.
يوجد في اسرائيل من يفسر وجود قوات حماس على طول الحدود على أنه تهديد. المعنى الحقيقي هو عكس ذلك تماما. فهذه القوة موجودة من اجل منع أي اطلاق باتجاه اسرائيل أو الاحتكاك مع الجيش الاسرائيلي. لم تتوقف حماس عن انتاج الصواريخ أو حفر الانفاق، رغم أنها تشدد في الوقت الحالي على عدم تجاوز الحدود مع اسرائيل، لكن الامر الاخير الذي تريده الآن هو مواجهة اخرى مع اسرائيل.
في النخبة الامنية عندنا لا يعتبرون الموافقة على اقامة الميناء في غزة تهديدا – فهم يجدون في ذلك افضليات كثيرة. هذا المشروع سيشغل الغزيين عشر سنوات وسيكونون معنيين بالحفاظ على الهدوء مع اسرائيل. لا تستطيع حماس ضمان عدم اطلاق أي صاروخ من غزة، لكنها تستطيع بالفعل فرض الهدوء النسبي كما كان في السنة الاخيرة.
هذا المشروع سيوفر لهم ما يمكن أن يخسرونه. عند الانتهاء من الميناء ستشدد اسرائيل على الترتيبات الامنية والرقابة على تهريب السلاح. لكن ميناء في قلب البحر يبقى دائما قابلا للغرق من خلال فصله عن اليابسة خلال دقيقتين. في ظل غياب حل للصراع بيننا وبين الفلسطينيين في غزة، فانه مفروض علينا ادارة الصراع. الموافقة على اقامة الميناء ستمنحنا سنين طويلة من الهدوء وترفع عنا مسؤولية اطعام القطاع.
قبل سنة، عشية الحرب، تم اعتبار حكومة المصالحة بين فتح وحماس تهديد على اسرائيل. وفي هذا الاسبوع تبين أنها ستُحل نهائيا. هذه أنباء جيدة لاسرائيل. الفصل بين غزة والضفة الغربية يخدم اسرائيل، الحديث هنا عن نوعين من السكان يختلفان في الجوهر ويطالبان بمطالب سياسية مختلفة.
تدير اسرائيل صراعا عنيفا مع غزة منذ 67 سنة. ويمكن أن يواصل أبناءنا واحفادنا هذا الصراع. هناك من يتذكر وجودنا في غوش قطيف ولا يتذكر الثمن: 39 مواطنا اسرائيليا و87 جنديا قتلوا في غزة في السنوات الخمسة في أعقاب الانتفاضة الثانية حتى الانفصال (2000 – 2005). نحن نحب أن ننسى الى أي حد كان هذا غير ممكن. الدفاع عن نتساريم المحاصرة والسفر في قوافل مثلما في لبنان من اجل الوصول الى كفار دروم. كم كان هاذيا وضع جنود على الحزام الدقيق لخط فيلادلفي، بينما يتم حفر مئات الانفاق تحتهم.
لقد ذهبت كثيرا الى غزة في الانتفاضة الاولى والثانية. وكنت في أزقة الشاطيء وجباليا ودير البلح والنصيرات. واذا اعتقد أحد ما أن ارسال جنودنا الى تلك المخيمات سيساهم في أمن اسرائيل، فليتحدث مع من خدموا هناك. ثمن السيطرة في غزة باهظ جدا من ناحية حياة الناس واستثمار المصادر العسكرية، هذا قبل التحدث عن الشرعية.
لم يخلُ الانفصال من الاخطاء، لكن هل يريد أحد بالفعل العودة والتضحية بـ 25 اسرائيلي كل سنة من اجل اقامة مستوطنة لثمانية آلاف شخص في قلب 1.8 ملايين فلسطيني؟ لم يسبق أن سيطرنا فعليا على القطاع، وآمل أن لا نضطر الى ذلك.
الضفة الغربية توجد في مكان مختلف تماما. فالسكان يختلفون عن سكان غزة، وتوجد فيها طبقة متوسطة ومتعلمة أكثر وقوى ابداعية قادرة على أن تؤدي الى النماء والتطور. وقد قام الجيش هذا الاسبوع باجراء لعبة حرب تناولت سؤال تأثير ادانة اسرائيل من منظمة دولية. الجواب الحكيم لمن لعب دور الفلسطيني في اللعبة كان: لا يهمني العنف، المسار الدبلوماسي يخدمني أكثر.
لا يعمل الجيش الاسرائيلي فقط على فهم العدو، بل يعمل ايضا على فهم السياسة الجديدة للحكومة. ماذا يعني اسكان الكثير من الاسرائيليين خارج الكتل الاستيطانية، وفي البؤر المعزولة؟ وما هو الدفاع المطلوب من اجل توسيع المناطق القريبة من المدن الفلسطينية؟.
الجيش الاسرائيلي يحاول بصوت منخفض ومؤدب التوضيح للمسؤولين أن أي قرار كهذا له ثمن. الوضع القائم أصبح وراءنا. الانفصال عن غزة منح اسرائيل الاعتراف الامريكي بالكتل الاستيطانية الكبيرة في يهودا والسامرة. ولكن توسيع الاستيطان خارج الكتل سيكون له ثمن، وسيتم تقديم فاتورة الحساب لنا قريبا.
(المصدر: معاريف 2015-06-19)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews