زلزال الانتخابات
المسيرة التي بدأت في نهاية 2002 وجاءت بحزب العدالة والتنمية إلى سدّة الحكم في تركيا، تعرّضت لأكبر انتكاسة لها منذ ذلك التاريخ. حصل هذا بعد خسارة حزب العدالة والتنمية نسبة 9% من ناخبيه، وعلى إثر ذلك لن يستطيع اليوم تشكيل الحكومة الجديدة لوحده.
ولكن ما الأسباب التي أدّت إلى تقلّص عدد ناخبي حزب العدالة والتنمية؟
من أهم الأسباب التي أدّت إلى تقلّص عدد ناخبي حزب العدالة والتنمية هو تراكم الأزمات التي مرّت بتركيا في الآونة الأخيرة، وطريقة تعامل حكومة العدالة والتنمية مع تلك الأزمات.
وقد نوّهنا من قبل إلى أن حزب العدالة والتنمية بدأ بالابتعاد عن إقليم الحرية، وحاول شخصنة الحكم. ثم إن سلوك قائد الحزب الصِدَامي، أثّر سلبا على الحزب والجو الديمقراطي التركي العام.
والأمر الثاني أن رجب طيب أردوغان عوّل كثيرا على النظام الرئاسي، وسير عملية السلام في تركيا (مرحلة تقودها الحكومة منذ 2005 للتصالح وإحلال السلام مع المكوّن الكردي)، ما وضع الحكومة في مأزق مع الشعب.
المجتمع التركي لا يتوانى عن محاربة أيّ كيانات تعادي الدولة، ولكنه أيضا لا يقبل بحصر الحكم بشخصية واحدة، ولا يتوانى عن إبداء رأيه المعارض بهذا الصدد.
حزب العدالة والتنمية اتّبع سياسة الحريات العامة والمساواة بين طبقات الشعب كافة. لكنه واجه مشكلة في حَضْن كافة فئات الشعب في الوقت ذاته. بالإضافة إلى أنه لم ير المتطلّبات الجديدة للشعب التي ولدت في عهده، وكانت خياراته خاطئة في بعض الأمور، فسار بفئات الشعب من ناحية الفرق والقيمة بين تلك الفئات.
والحقيقة أن هذه المشاكل أدّت إلى ردة فعل من قبل الشعب الذي ظن أن العدالة والتنمية بدأ بإدارة البلاد كإدارة البطريرك للكنيسة. ولهذا السبب، لم يستطع العدالة والتنمية اجتياز الحاجز الذي يتيح له تشكيل حكومة بمفرده، وسرد صورة، جعل فيها روابط الشرعية والإرادة الوطنية متعلّقة باليمينية. ولذلك نرى أن الشعب حذّر العدالة والتنمية من خفض عدد أصواته له في الانتخابات.
واليوم بعد نتائج الانتخابات، فإن حزب العدالة التنمية سيحدّد ما إن كانت هذه المرحلة نهاية المطاف بالنسبة له أم بدايتها.
أما بالنسبة لحزب الشعوب الديمقراطي الكردي، فقد استطاع أن يرفع من عدد ناخبيه بمقدار 7 بالمئة وهذا المقدار يعتبر عاليا جدا. لذلك، فإن هذه النسبة تشكّل محورا هاما للشعوب الديمقراطي. وهذه النسبة ستأتي بموجة سياسية واجتماعية جديدة لتركيا.
وهذه الموجة لها معنيان مهمّان:
الأول: أنها متعلّقة بسعي الشعوب الديمقراطي ليكون معارضا قويا. ومن خلال هذا الإطار، فإن هذه الموجة تمتلك بنية غير متجانسة وتفتقر إلى العمل السياسي. والحقيقة أن هذا الصعود في عدد ناخبيه جاء من الأزمة السياسية لا أكثر.
حزب الشعوب الديمقراطي، جمع في بنيته السياسية المسألة الكردية وتبنّاها وأظهر مدى اهتمامه الشديد بها، واستطاع أن يوجّه ردود الأفعال ضد حزب العدالة والتنمية في المسألة ذاتها. والحقيقة أننا لاندري ما إذا كان الشعوب الديمقراطي سيسير بهذه الموجة الصاعدة له في عدد المناصرين، والزمن وحده سيخبرنا بذلك.
وأما بالنسبة لتجانسه مع المعارضة، فيمكن القول إنه لن يكون مشروعا سهلا.
الثاني: وكما قال أحد الصحفيين "وأخيرا وصل الأكراد إلى المساواة السياسية، وأصبح لهم موقع مهم في البرلمان التركي. ومن اليوم فصاعدا لن يجرؤ أحد أن يجعل الأكراد خارج السياسة التركية أو حتى أن يفكّر بها، الذين لا يطيقون هذه الصورة الجديدة لا يستطيعون أن يوحّدوا المجتمع التركي".
بات من الواضح أن العلاقة بين المجتمع التركي والمسألة الكردية وصلت إلى مرحلة جديدة؛ الذي نراه الآن إنما هو الصورة بالعين المجرّدة، ولكن إن نظرنا إلى الأفق الأبعد فسنرى مرحلة من عدم الاستقرار قادمة. ( المصدر : صحيفة "يني شفق" التركية )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews