نقص السيولة والمنافسة تهددان سوق لندن للذهب العالمي

قبل بضعة أعوام كان متداولو المعادن الثمينة في لندن يصلون إلى مكاتبهم ليجدوا هواتفهم تومض. على الطرف الآخر من الخط كانت المصارف المنافسة تتطلع لشراء وبيع الذهب. اليوم قاعات التداول أكثر هدوءاً.

ليس فقط أن معظم عمليات التداول تتم من خلال الشاشات، لكن هناك أيضاً انخفاض في النشاط بين المصارف -مرساة التداول في سوق السبائك الذهبية خارج البورصات الرسمية– في حين قلصت مؤسسات عديدة تداولاتها أو خرجت من سوق السلع.

وهذا يجعل سوق الذهب أكثر اضطراباً ويرفع تكاليف التحوّط وتنفيذ عمليات تداول أكبر، بحسب المشاركين في السوق.

يقول أحد المتداولين المُخضرمين: "إذا كنت فقط تتداول بأحجام صغيرة ربما استفدت من التغييرات، على اعتبار أنه يمكنك التداول مباشرة من خلال منصة المصرف الإلكترونية". ويضيف: "المشكلة ستكون في حال أردتَ التداول بحجم كبير، وهو عادة يراوح بين 100 ألف و200 ألف أونصة. أصبح من الصعب الحصول على هذا دون التأثير في السعر بصورة غير مناسبة".

ويعمل الانخفاض في التداول بين المصارف على إثارة نقاش حول الهيكلة الأنسب لسوق الذهب، ويشير بعضهم إلى أن المعدن المادي ينبغي التداول به في البورصة.

في نيسان (أبريل) أطلقت جمعية سوق السبائك في لندن، وهي الهيئة المختصة بالصناعة، مراجعة استراتيجية بهدف تعزيز السيولة وتحسين الشفافية. وتزامنت المراجعة مع دراسة أجرتها الحكومة البريطانية لسير العمل في أسواق الدخل الثابت، والعملة، والسلع في الحي المالي في لندن، في إطار تحضيرات لتنظيم المؤشرات المالية، بما في ذلك مؤشرا الذهب والفضة التابعين لجميعة سوق السبائك في لندن.

ويقول مشاركون في السوق إن صناديق التحوّط القائمة على الخوارزميات هي أكثر نشاطاً، الأمر الذي أوجد "سيولة مضطربة"، وأدى إلى اضطرابات في السوق. وهذا يفاقم أي تحركات في السعر في حال كانت أحجام التداول منخفضة، ويعني أيضا أن السيولة يمكن أن تختفي عندما تشتد الحاجة إليها مثلا في حالة الاضطراب الشديد في السوق.

ويقول أحد المشاركين: "الخوارزميات تستخدم أنواعا مماثلة من النماذج التي يُحركّها الزخم. يمكن أن تكون جميعها سيولة بالطريقة نفسها، خصوصاً عند إطلاق البيانات الاقتصادية، أو عندما تكون أسعار الذهب عند مستويات فنية مُحددة جيداً".

في الوقت نفسه، قلصت المصارف العمليات في سوق الذهب لمواجهة ارتفاع تكاليف التنظيم. وقال دويتشه بانك العام الماضي إنه قد يخرج من تجارة المعادن الثمينة بعد أن انسحب من المشاركة في تحديد أسعار الذهب.

ويقول بعض المشاركين في السوق إن المصارف أقل استعداداً لأن تنطوي حساباتها على مخاطر من أجل خيارات الذهب. ووفقاً لبنك التسويات الدولية، انخفض حجم الصادر الاسمي لمشتقات الذهب خارج البورصات الرسمية، التي تحتفظ بها المصارف، إلى 300 مليار دولار في نهاية عام 2014 - وهو الأدنى منذ حزيران (يونيو) 2005.

ويقول ديفيد جوفيت، رئيس قسم المعادن الثمينة في شركة ماريكس سبيكترون للتداولات: "إن مستثمري صناديق الأموال الحقيقية لا يلعبون فقط في سوق الذهب. وكثير من المصارف المركزية لا تتداول بالطريقة التي اعتادت عليها". ويضيف: "لقد انسحبت من الاستثمار في الذهب والتداول في الذهب - وبسبب الاضطراب أصبحت الأحجام أقل". والنتيجة هي نشوء أسواق "ضعيفة، ومضطربة يمكن أن ترتفع فيها الخوارزميات وتُسبّب الضغط وتحدث الفوضى".

ويلاحظ محللون أن السيولة متركزة أكثر في التثبيت الإلكتروني الذي تديره بورصة إنتركونتيننتال، وكذلك في عقود الذهب الآجلة التي تُديرها بورصة كوميكس في نيويورك. ويقول روس نورمان، رئيس شركة شاربز بيكسلي للوساطة: "إن كثيرا من التداول يتركّز حول التثبيت والعقود الآجلة"، مُشيراً إلى مزاد الذهب الذي يتم مرتين يومياً الذي يتم فيه السعر.

ويضيف: "شهدت لندن من قبل هذا التراجع الهائل في سيولة التداول وفي الأحجام". ويتابع: "التثبيت يتمتع بأهمية أكبر من أي وقت مضى لأن السعر الفوري لا يملك دوراً كبيراً".

من الصعب الحصول على البيانات عن سوق الذهب خارج البورصات الرسمية في لندن. لكن إحصائيات المقاصة في شباط (فبراير) - التي جمعتها جمعية سوق السبائك في لندن - أظهرت أن الحجم الذي تم نقلُه بين المصارف انخفض إلى 17.8 مليون أونصة، وهو أدنى مستوى في 12 شهراً.

وتقول جميعة سوق السبائك في لندن إنها تود رؤية سيولة أكبر عندما يتعلق الأمر بالسوق الآجلة، التي تعاني منذ توقّف السعر الآجل، المعروف بسعر جوفو Gofo، في كانون الثاني (يناير). ويستخدم هذا السعر من قِبل أصحاب المناجم الذين يستخدمون الذهب لاقتراض الدولارات الأمريكية من المصارف.

ووضع الأمور في نصابها يعد مسألة بالغة الأهمية إذا كان للندن أن تحتفظ بموقعها مركزا لتجارة الذهب العالمية، وأن تنال رضا المنظمين الذين يدرسون مسألة التداولات خارج البورصات الرسمية.

وتواجه لندن منافسة بعد أن أطلقت بورصة الذهب في شنجهاي مجلس تداول دولي في منطقة التجارة الحرة في المدينة، التي تسمح بتدفق رأس المال بحرية أكبر مما هو في بقية الصين.

وفي أيلول (سبتمبر)، قال إتش إس بي سي، وهو واحد من أكبر المصارف التي تتعامل بالسبائك، إن موافقة صدرت بأن يكون عضواً في المجلس. وهذا يمكن أن يُحدِث صدوعا في السوق العالمية، لأن الصين هي أكبر مُنتج ومُستهلك للذهب.

ويقول أحد المشاركين في السوق: "دون شك سيكون لدينا تثبيت صيني قبل نهاية العام وسنشهد تطورا سريعا لسوق خيارات الذهب الصينية. فهم يملكون سوق إقراض مليئة بالمال وأكثر سيولة، بالتالي فكرة أن السيولة تتحرك نحو الشرق هي فكرة صحيحة".

(المصدر: فاينانشال تايمز 2015-05-20)