السياسات الاقتصادية...لإصلاح فشل السوق
إن السياسات الاقتصادية التي تهدف إلى تنمية فاعلة وذات كفاءة عالية تتدخل في السوق فقط عندما يصبح عاجزاً وفاشلاً عن أداء مهامه أي ان القطاع الخاص لم يعد قادرا على ان يجعل عوامل السوق تعمل نحو نقطة توازنها لتصحيح أي خلل او عدم كفاءة الإنتاجية او توظيف الموارد المالية والبشرية بشكل فعال ليخلق قيمة اقتصادية كبيرة يكون مضاعفها داعما للنمو الاقتصادي ومنوعا لقاعدته التي تعكس حجم الاقتصاد واستقراره على المديين المتوسط والطويل. ان فلسفة قول "اذا لم ينكسر فلا تحاول ان تصلحه" تنطبق على السياسات الاقتصادية التى تهدف الى تقليص التكاليف الاجمالية والجانبية Externalities وتعظيم المنافع الاقتصادية من خلال اصلاح ما اخفق السوق في اصلاحه حتى تستمر التنمية الاقتصادية في طريقها بقيادة القطاع الخاص وبسياسة حكومية تعزز الايجابيات وتعالج السلبيات نحو تنمية اقتصادية متفاعلة ومستدامة.
إن سياسات التنمية الاقتصادية الإقليمية الرشيدة هي التي تهدف الى تصحيح إخفاقات الاسواق من أجل تحقيق الكفاءة ورفع الانتاجية ليشمل ذلك البطالة الفعلية والطوعية، المنافع المالية، التجمعات الاقتصادية، بحوث الآثار الجانبية، رأس المال البشري، نقص معلومات السوق. كما ان تقييم تلك السياسات يمتد الى بناء المنافع الاجتماعية غير السوقية التي يستفيد منها من هم خارج السوقSpillover effect، حيث يكون فشل السوق محل رعاية صانعي تلك السياسات لمواجهة ضعف أدائه ومقارنة مدى فعالية ونجاح سياساتهم في تصحيح ذلك الفشل نحو الأفضل.
هنا تبرز نظريات التنمية الاقتصادية الإقليمية الميز التنافسية والمحتملة للمناطق التي يمكن استغلالها لتنشيط تلك المناطق من أجل التنمية المتوازنة التي لم يستفد منها السوق في تنشيط اعماله على مسافات بعدية من المدن الرئيسة التي تجاوزت طاقاتها الاستيعابية، لعدة عوامل تجعل تلك الميز النسبية غير مجدية اقتصاديا للقطاع الخاص، مما يستدعي التدخل الحكومي لوضع السياسات الداعمة والمحفزة لاستثمارات القطاع الخاص.
لذا ينبغي لاستراتيجيات التنمية أن تهدف أساسا الى سياسات متوازنة وبناء مواطن القوة المحلية والحد من مواطن الضعف لأنها الوسيلة المثلى لتنشيط الحركة الاقتصادية في المناطق المختلفة بطريقة مستدامة. هكذا يتزايد الطلب على اللامركزية في الصلاحيات والموارد للإدارات المحلية في معظم أنحاء العالم في العقود الأخيرة لتتمكن من وضع مسارات التنمية المحلية بناء على قدراتها غير المتجانسة ولكي تتكيف مع استراتيجيات التنمية العامة بغية في تلبية احتياجات مناطقها الخاصة والتمتع بميزها النسبية ان وجدت. فقد كرست نظرية النمو الحديثة اهتمامها الكبير على البحث عن العوامل المحددة للنمو الاقتصادي عن طريق نماذج محددة لزيادة التوازن في دخل الفرد في كل المناطق المحلية.
وفي الآونة الأخيرة، تركز سياسات التنمية على تنمية رأس المال البشري والمناطق الريفية بدلا من التركيز فقط على تنمية البنية التحتية بغية تعزيز النمو في المناطق ضمن مسار صياغة السياسات من أسفل الى أعلى بدلا من أعلى الى أسفل، حيث إن البنية التحتية لها أولوية بالنسبة للتنمية الاقتصادية في الدول النامية وقد استطاعت جذب الشركات الكبيرة ولكنها شركات ضعيفة التصنيع ولا توظف الكثير من المواطنين. لذا لا بد من الاخذ في الاعتبار أثر نمو منطقة ما على الأداء الاقتصادي، بدلاً من تجاهل خصوصيات تلك المنطقه عند وضع تلك السياسات التنموية. ليكون من أهم اهداف استراتيجيات التنمية تنويع التنمية الاقتصادية عبر المناطق الجغرافية وفقا للأهداف المحلية المختارة وبناء على المسارات الماضية، فما هي مساهمة كل منطقة او محافظة في اجمالي الناتج المحلي سنويا؟ الاجابة لا توجد ضمن احصائيات مصلحة الاحصاءات العامة والمعلومات.
الخلاصة، ان قياس أداء سياسات التنمية الاقتصادية يتركز في حل إخفاقات السوق وذلك بتقديم الدعم المالي والإجرائي لمنشآت القطاع الخاص لتمكينها من أداء أعمالها مع فرض الرسوم العالية على الأعمال السلبية للحد من تلك الإخفاقات وجعلها تتناغم مع أهداف الخطط الخمسية بدعم تنويع الاقتصاد وتوظيف الموارد البشرية.
(المصدر: الرياض 2015-05-19)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews