الاقتصاد الخليجي يتكيف مع هبوط أسعار النفط
تكشف أحدث الإحصاءات الصادرة إلى تأثر الأوضاع المالية العامة للمنظومة الخليجية بظاهرة هبوط أسعار النفط في الفترة الأخيرة. كما من الإنصاف التأكيد على استعداد دول مجلس التعاون الخليجي للاستفادة من الاحتياطيات العامة متى ما لزم الأمر للتعامل مع مسألة تراجع الأسعار.
نشير في هذا الصدد إلى تجربة المالية العامة لقطر في التعامل مع ظاهرة هبوط أسعار النفط. أيضا، نتطرق لجانب من التأثير الفعلي لتراجع أسعار النفط على المالية العامة لسلطنة عمان.
ففي تطور غير مسبوق، قررت السلطات القطرية مواصلة العمل بإطار موازنة السنة المالية 15/2014 حتى نهاية العام الجاري ونشر موازنة جديدة مع العام الجديد للفترة المتبقية من السنة المالية 16/2015.
على غرار الكويت، تمتد السنة المالية في قطر ما بين شهري أبريل ومارس.
من جملة الأمور، يترجم ما حدث إلى افتراض متوسط سعر للنفط يبلغ 65 دولارا للبرميل الواحد، وهو أقل ولكن ليس إلى حد كبير من الأسعار السائدة في الأسواق الدولية، تتميز قطر بافتراض معدلات محافظة لأسعار النفط، وقد أثبتت التجارب خصوصا التجربة الأخيرة لهبوط الأسعار نجاح هذا الخيار الاقتصادي.
يشار إلى أنه قد تم إعداد موازنة السنة المالية 15/2014 بنفقات في حدود 60 مليار دولار، كما تم إقرار مخصصات قدرها 45 مليار دولار للفترة ما بين شهري أبريل وديسمبر 2015 أي في نفس مستوى المخصصات التي تم وضعها للسنة المالية المنتهية.
اللافت في هذا الصدد حفاظ السلطات على نفس مستوى ثابت للإنفاق رغم انخفاض أسعار النفط، وربما يمكن تفهم مضي قطر قدما في نفس مستويات الصرف غير آبهة بتراجع أسعار النفط وذلك في إطار الاستعداد لاستضافة فعاليات كأس العالم وما يتطلبه الحدث من إعداد للمشاريع، تتضمن المشاريع تطوير البنية التحتية بما في ذلك إنشاء شبكة مترو في العاصمة وإقامة شتى أنواع المنشآت الرياضية وأمور أخرى تتطلبها الحدث الكروي.
وبناء على ذلك، يبلغ حجم الإنفاق لمدة 21 أشهر أي ما بين أبريل 2014 وديسمبر 2015 نحو 105 مليارات دولار. لا شك، يعد هذا الرقم مذهلا قياسا بحجم الناتج المحلي الإجمالي لقطر والذي هو في حدد 190 مليار دولار.
تفسر ظاهرة الإنفاق جانب من قدرة الاقتصاد القطري على تسجيل معدلات نمو متميزة، حيث من المتوقع أن تبلغ قرابة 7 في المائة في عام 2015. كما تعتبر هذه النتيجة الأفضل بين دول مجلس التعاون الخليجي بل من المستويات المذهلة على مستوى العالم مثل أداء اقتصاد المارد الصيني.
طبعا، يتوقع تسجيل هذه النسبة في ظل غياب الضغوط التضخمية. من الواضح بأن البلدان المستوردة للنفط لا تجد مبررا لرفع أسعار صادراتها، كما هو المعتاد في حال زيادة أسعار النفط أو كما حدث قبل عدة سنوات. فقد عانى الاقتصاد القطري الأمرين من ظاهرة ارتفاع الأسعار ما بين 2007 و2008 فيما عرف بظاهرة التضخم المستورد.
صحيح لا توجد معلومات عن الإيرادات الفعلية للسنة المالية 15/2014 أو الفترة الممتدة حتى نهاية ديسمبر. لكن لا تعاني قطر من مشكلة مواجهة العجز المالي وذلك بالنظر لمستوى الثروة السيادية لقطر.
فحسب معهد الثروة السيادية والذي يتميز برصد الثروات السيادية، فقد احتفظت قطر بثروة سيادية قدرها 256 مليار دولار مع بداية شهر مارس. يعد هذا الرقم ضخما بدليل تشكيله أكثر من حجم الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.
فضلا عن قطر، تم الكشف حديثا عن الأرقام شبه النهائية للسنة المالية 2014 لسلطنة عمان وهي تشير لأمور نوعية. كما هو الحال مع عدد غير قليل من دول العالم، تبدأ السنة في عمان مع بداية يناير لكن الأمر يختلف بالنسبة لقطر والكويت على مستوى دول مجلس التعاون حيث تبدأ السنة المالية في أبريل.
إضافة إلى ذلك، كشفت إحصاءات جديدة بعض الآثار المحتملة لانخفاض أسعار النفط على دولة أخرى عضو في مجلس التعاون الخليجي، وتحديدا سلطنة عمان. من جملة الأمور، ارتفعت القيمة الفعلية لنفقات السنة 14/2015 بواقع 3.9 بالمائة بغية تنفيذ التزامات مالية على السلطنة وهي من المسائل المعتادة في البلاد.
وفيما يخص الإيرادات، تم تسجيل تراجع بنسبة 3.9 في المائة في المتوسط، إذ يشمل هذا الرقم تراجع مستوى الدخل النفطي بنحو 5 بالمائة مقابل 5.5 بالمائة بالنسبة للغاز. طبعا، لم يأت هذا التراجع من فراغ في ظل بقاء أسعار النفط متدنية لعدة شهور.
يعتبر القطاع النفطي حيويا بالنسبة لأداء الاقتصاد العماني، حيث يشكل في المتوسط 76 بالمائة من دخل إيرادات الخزانة العامة موزعة ما بين 63 بالمائة للنفط و13 بالمائة للغاز. في المقابل، تساهم كل المصادر الأخرى بما في ذلك صافي القطاعين الصناعي والزراعي والمبيعات الحكومية ربع إيرادات الخزانة العامة.
تعتبر الأهمية النسبية لدخل القطاع النفطي مرتفعة في خضم الحديث عن التنويع الاقتصادي، بل إن هذه النسبة المرتفعة أصلا قابلة للزيادة في حال تعاظم أسعار النفط، الأمل كبير بمساهمة بعض القطاعات الحيوية مثل الصناعة والضيافة في تعزيز إيرادات الخزانة العامة وبالتالي تقليص الاعتماد على القطاع النفطي.
وينطبق هذا المفهوم على كل المنظومة الخليجية بطريقة أو أخرى خصوصا الكويت. يشكل القطاع النفطي نحو 90 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي وإيرادات الحكومة فضلا عن 40 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي للكويت.
ولا تواجه دول مجلس التعاون الخليجي خصوصا تلك التي لديها احتياطيات ضخمة مثل الإمارات والسعودية والكويت وقطر، لا تواجه هذه الدول أي صعوبات لمعالجة عجز الموازنات العامة، لكن يبقى هناك سؤال حول الاستخدام الأمثل للثروة السيادية؟.
(المصدر: الشرق القطرية 2015-04-05)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews