حول خطاب نتنياهو في الكونجرس

يحتاج المرء ليكون مجنونا لكي يصدق أن واشنطن ستسمح لطهران بامتلاك القنبلة النووية، ويحتاج لعقل كبير الشياطين لكي يقتنع بأن إيران تسعى لإمتلاك هذه القنبلة فعلا، لذلك صار من المنطقى لنفهم واقعة خطاب نتنياهو في الكونجرس الأمريكي أن نسأل: ما معنى هذ ا الحدث؟

- هل تريد اسرائيل أن تكون شريكا ضمنيا في الاتفاق؟

هل اصبحت أمريكا في نظر الجمهوريين جزءا من الأمن الأسرائيلي وليس العكس؟

- هل أمريكا مؤثر فعلي في الإنتخابات الأسرائيلية وكذلك اسرائيل في الإنتخابات الأمريكية مما اقتضى حدوث واقعة الخطاب على هذه الشاكلة؟

- ما هو الفرق بين المصلحة الإسرائيلية والمصلحة الأمريكية؟

- هل تقف أمريكا هذه المواقف من إيران، لأنها دولة مسلمة، وبالتالي هل امريكا معنية بعودة الحروب الدينية في العالم، أم أن هذه المواقف نابعة من أن ايران دولة قومية تسعى لأن تسيطر على أقاليم النفظ؟

- هل النفط وحده هو الذي يقرر الاستراتيجيات الأمريكية؟

- هل لاتزال اسرائيل فعلا قاعدة امريكية مهمة في منطقة مهمة، في ظل تغير كتاب الحرب؟

كل هذه الأسئلة وغيرها هي جزء مما أثارته واقعة خطاب نتنياهو في الكونجرس الأمريكي، وستجيب عليها الأسابيع القليلة القادمة... ويمكنني القول بناء على ما تناقلته اجهزة الأعلام الأمريكية ما يلي:

1 - إن السياسات التي تتعامل دمويا مع الوضع في الشرق الآوسط التي يمثلها في أمريكا الحزب الجمهوري وفي اسرائيل حزب الليكود، بدأت تفقد شعبيتها ليس بدواع أخلاقية، بل بفشلها في إيجاد الحلول وتوجهها اكثر نحو التشدد الذي يجعل مجتمعاتها هي التي تدفع ثمن هذه السياسات، وعلى ذلك كان خطاب نتنياهو في الكونجرس شكلا من أشكال التحالف الانتخابي بين طرفين غير واثقين من نجاحهما في الانتخابات القادمة.

2 - إن واقعة الخطا كما حدثت تشير بوضوح إلى أن الاستراتيجيين الأمريكيين لم يعودوا متفقين على أن اسرائيل هي مصلحة أمريكية عليا مائة بالمائة.

3 - إن الشعب الأمريكي يمضي قدما في التغيير البطيء لموقفه من القضية الأهم في الشرق الآوسط الذي بدأ في سبعينيات القرن العشرين حين تم فتح مكتب اعلامي لمنظمة التحرير الفلسطينية بعد اتفاقية الجزائر بين العراق وإيران، رغم أن موضوع الإرهاب أثر كثيرا على درجة تقدم التغيير.

4 - إن الشرق الآوسط يظهر يوما بعد يوم أن إسرائيل لم تعد قادرة لوحدها على حماية المصالح الأمريكية، بل أنها تظهر إخفاقات هنا وهناك في حماية هذه المصالح، حيث تعجز اسرائيل رغم قوتها العسكرية والمالية على ان تكون جزءا من دول المنطقة رغم تفتت وهوان هذه الدول، إلا أن النسيج الحضاري المتماسك لشعوب هذه المنطقة الذي يجعل منها أمة كاملة التكوين يقف حجر عثرة ليس في اندماج اسرائيل فقط، بل وفي امكانية سيطرة ايران نفسها على هذه الأمة، حيث أن اللعبة الطائفية على دمويتها وقوتها التدميرية تكاد تنعكس وبالا على كل من امريكا وإيران.

5 - لم يعد النفط وحده هو المصلحة الكبرى لأمريكا والدول الكبرى كما كان الحال في منتصف القرن العشرين وقبله، فمع الزمن استجدت مصالح حيوية أخرى ليست اسرائيل جزءا منها.

ويبدو لي أن هذه الحقائق سيتحدث عنها الإعلام الأمريكي والعالمي بلغة اكثر وضوحا إذا لم ينجح نتنياهو في الإنتخابات وهو أمر غير مستبعد وسيكشف ذلك في الأيام القليلة القادمة، ولعل الأهم في هذا السياق هو موافقة الكونجرس رغم الجمهوريين سيوافق على رؤية نتنياهو لموضوع التعامل مع إيران وهي موافقة متوقعة ستشكل إن تمت صفعة قوية ليس لنتنياهو وحزبة، بل للرؤية الصهيونية برمتها وعلاقتها الاستراتيجية مع امريكا.

ولعل موقف كثير من الدول والسياسيين الأوروبيين المؤيد لموقف أوباما والمنتقد لطروحات نتنياهو يشير إلى ذلك.

(المصدر: الشروق الجزائرية 2015-03-08)