وجوه جديدة وآمال كبيرة
نحمد الله ونشكره على نعم الإيمان والأمان والاستقرار، ونطلب من العزيز القدير أن يكون العهد الجديد فاتحة خير وبركة وبإذن الله مدعاة للاطمئنان الاجتماعي والاقتصادي. فنحن اليوم نعيش وسط خضم من التحديات الاستراتيجية التي تتطلب منا رؤية بعيدة المدى وتخطيطا سليما من أجل استمرار الحياة على ظهر هذه الصحراء، التي أراد الله سبحانه وتعالى لها ولساكنيها أن تكون خيراتها في باطنها. ولقد وفقنا الله إلى استغلال ثرواتها النفطية منذ أكثر من خمسة وسبعين عاما، مع شيء من الإسراف الذي لم يكن هناك في معظم الأحوال ما يبرره. ولعله من الصدف أننا كلما ارتفع دخلنا من تسويق النفط الذي لم نبذل في الحصول عليه أي مجهود ذي قيمة، ابتعدنا عن تطوير ونقل اقتصادنا إلى اقتصاد، غير ريعي، ينمو بجهود وعمل المواطنين دون الاعتماد الكلي على مصدر وحيد قابل للنضوب. وليس سرا أننا اليوم قد جاوزنا أكثر من نصف المخزون النفطي القابل للإنتاج، ولا نزال نسير في اتجاه نهاية العصر الذهبي للنفط الرخيص دون أن نحقق ولو بعضا من آمالنا وطموحاتنا نحو إيجاد نوع متواضع من تنويع الدخل. وهذا فيه خطورة كبيرة على مستقبل هذه الأمة التي تتضاعف أعدادها في وقت نخشى فيه أن يكون دخلها الوحيد مهددا بالنضوب. فلا بد من صحوة صادقة وبعث آمال جديدة نحو تغيير نمط حياتنا من أمة مستهلكة بامتياز إلى شعوب منتجة تأكل وتشرب من عرق الجبين ولا تعتمد على جهود وخدمات العمالة الأجنبية التي تنهك اقتصادنا وتستنزف دخلنا برضا منا وتحت سمعنا وبصرنا.
فلا بد من مراجعة جدية للخطة الإنتاجية لثروتنا النفطية المحدودة، التي ظللنا ننتهجها خلال السنوات الماضية، التي كانت كثيرا ما تفيض عن متطلبات اقتصادنا. الإنتاج الكبير يقلل من عمر ما بقي من النفط، مع الأخذ في الاعتبار بأن تكلفة الإنتاج تتضاعف مع مرور الوقت وكلما اقتربنا من مرحلة النضوب. فنحن بحاجة إلى الاعتدال في استنزاف مخزوننا النفطي، فلا ضرر ولا ضرار.
ولقد استبشرنا خيرا بتكوين مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، ضمن التغييرات الجوهرية المباركة الجديدة. ونرجو أن يكون اسما على مسمى. فنحن بحاجة إلى تنمية الاقتصاد الذي ظل خلال العقود الماضية اقتصادا ريعيا يعتمد فقط وحصريا على الدخل النفطي النافق. ولعل الوضع الدولي الحالي الذي يتمثل في هبوط حاد للأسعار النفطية إلى مستوى لم يكن متوقعا وغير مقبول اقتصاديا، يكون عبرة لنا ودليلا على عدم ثبات الحال على وضع يلبي جميع متطلباتنا في حال استمرار اعتمادنا الكلي على مصدر دخل مؤقت ومعرض للتذبذب تبعا للظروف والأحوال الدولية. وإذا كان نزول الأسعار الأخير، الذي ربما يتكرر من وقت لآخر، يسبب لنا الكثير من القلق والارتباك ويضطرنا إلى استهلاك معظم فوائضنا المالية، فما بالك إذا كان الأمر في المستقبل يتعلق بانخفاض كبير في إنتاج مصدر دخلنا الرئيس نتيجة للنضوب الطبيعي الذي من المرجح ألا يكون بعيدا؟ وهو أمر ليس فقط واردا، بل إنه حتمي. وهذا ما يجعلنا نهيب بالمسؤولين عن مستقبل أمور اقتصادنا وبأعضاء مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، على وجه الخصوص، أن يولوا، بارك الله فيهم، موضوع تنويع الدخل اهتماما خاصا خلال الظروف الحالية المواتية قبل أن تختفي الفوائض المالية التي في متناول أيدينا الآن ومن ثم نفقد القدرة على الاستثمار التنموي.
ومن باب لفت النظر والانتباه، فإن وجود ما يزيد على عشرة ملايين وافد في بلادنا هو من أهم أسباب معوقات التنمية الاقتصادية الحقيقية، التي تتطلب مشاركة فعالة من المواطنين. ناهيك عن الدور السلبي الذي يلعبه وجود هذا العدد الهائل من العمالة الأجنبية بين ظهرانينا على مقدراتنا الاقتصادية المدعومة إلى حد كبير من خزانة الدولة، وعلى البنية التحتية بوجه عام. ونحن نعلم أن نسبة كبيرة من هذه العمالة قد تم تفويضها من الكفلاء، خلافا لما يقتضيه النظام، بأن لهم الحرية الكاملة في ممارسة الأعمال التجارية والمهنية لحسابهم الخاص مقابل مبالغ شهرية متواضعة مقطوعة يدفعونها للكفيل. وفي الوقت نفسه، نجد أن هذه الفئة من العمالة غير المفيدة تستفيد أيضا من جميع المميزات الاقتصادية والدعم الحكومي المخصص للمواطنين، وهو ما يعتبر أمرا غير طبيعي ونادرا ما نشاهد مثيلا له في دول أخرى.
فهل نطمح بأن تكون الوجوه الخيرة الجديدة وجوه سعد وبركة وعمل مثمر يخدم مستقبلنا ومستقبل أجيالنا القادمة؟ لا نشك في ذلك، فهذا واضح من حسن الاختيار الموفق. بارك الله في كل من يعمل مخلصا من أجل صالح هذه الأمة ومستقبلها وسدد خطاهم، مع تمنياتنا للجميع بالتوفيق.
(المصدر: الاقتصادية 2015-02-01)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews