الأشكناز والسفارديم والانتخابات المقبلة في إسرائيل

تُساهم كل العوامل مُجتمعة في تقرير مسار ونتائج الانتخابات التشريعية المُبكّرة المقبلة للكنيست العشرين في إسرائيل، والتي يتوقع اجراؤها في 17 آذار (مارس) المقبل. حيث تُستخدم كل الأسلحة الأيديولوجية والسياسية وحتى العرقية، المتوافرة بيد كل حزب من الأحزاب، وتَستهلك ما معها كل الذخائر المخبأة في سياقات المعركة الانتخابية، والتي تدور رحاها هذه المرة بين كُتل وأقطاب اليمين واليمين المتطرف من جهة، والأطراف المحسوبة على الوسط ويمين الوسط واليسار الصهيوني من جهة ثانية.
المعركة هنا سياسية وذات بُعدٍ أيديولوجي له علاقة بفلسفة الاستيطان والتوسع أولاً. لكنها في الوقت نفسه معركة مصالح وصراع وتطاحن أحزاب ثانياً. ومعركة سطوة ونفوذ ثالثاً. ومعركة البحث عن المجد الشخصي لبعض القادة من عتاة الحركة الصهيونية ويمينها القومي العقائدي، وعلى رأسهم بنيامين نتانياهو رابعاً، خصوصاً أن المؤتمر الأخير لحزب «الليكود» جدد لنتانياهو في رئاسة الحزب لدورة جديدة، وبالتالي سيكون هو مرشح الحزب لتشكيل الحكومة الجديدة في حال فوز «الليكود» بأكثرية المقاعد في الانتخابات التشريعية المقبلة.
المعركة الانتخابية المقبلة في إسرائيل سَتَطاول دواخل الخريطة السكانية، والجذور العرقية والقومية لسكان إسرائيل، بين اليهود الشرقيين (السفارديم) واليهود الغربيين (الإشكناز)، حيث تَميل القطاعات الفقيرة والمُعدمة من اليهود الشرقيين لكسر نفوذ قطاعات اليهود الغربيين، وهو الأمر الذي تُحاول التقاطه أحزاب اليمين واليمين المتطرف لجذب أصوات اليهود الشرقيين والتضامن اللفظي الدعاوي مع سخطهم الموجه ضد اليهود الغربيين.
إن بيانات ومعطيات أواخر العام 2013 تُشير الى أن سكان اسرائيل من اليهود يتوزعون طبقاً لأصولهم القومية ومنابتهم، وفق النسب الرئيسية التالية: مليون و900 ألف من اليهود من أصول أوروبية أميركية. ونحو 858 ألفاً من أصول شرقية تعود إلى دول الاتحاد السوفياتي السابق، وهذه المجموعة السكانية هي الأكبر في إسرائيل بعد التحول الديموغرافي الذي طرأ مع هجرة مليون وربع مليون يهودي من جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق الى اسرائيل خلال تسعينات القرن الماضي إثر تفكك الاتحاد السوفياتي. ونحو 500 ألف من أصل مغربي. ونحو 30 ألفاً من أصل بولندي وروماني. ونحو 180 ألفاً من أصل عراقي. ونحو 180 ألفاً من أصل يمني. وآلاف عدة من اليهود الفلاشا الإثيوبيين، والبقية من أصول مختلفة (كردي، سوري، إيراني، مصري، تركي … )، ويدخل في الأرقام السابقة سكان المُستعمرات المقامة فوق الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967.
وعليه، فإن أكثر من نصف السكان تقريباً في اسرائيل هم من اليهود الشرقيين، الذين تُحاول اجتذابهم أحزاب اليمين واليمين المتطرف، ودغدغة مشاعرهم، والتضامن مع حراكاتهم الاجتماعية من أجل كسب أصواتهم. فسياسات حزب «الليكود» لقيت دعماً وتأييداً من قبل اليهود الشرقيين عندما تحوّل هؤلاء الى تأييد هذا الحزب في نطاق تمردهم ضد حزب العمل، الذي كان الحزب التقليدي الذي يدعمه اليهود الغربيون، وحزب الصفوة في إسرائيل كما يعتبره بعضهم. فالأمر عند اليهود الشرقيين ليس تحولاً أيديولوجياً بل خياراً محدداً في مواجهة الحالة اليهودية الغربية المُتسلطة على مراكز النفوذ في إسرائيل. وفي الإطار ذاته، كان موقف اليهود الشرقيين من حزب «شاس» الديني الشرقي، الذي يَطرح نفسه بالنسبة للكثيرين منهم كبديل لهم، مُستخدماً عناصر رمزية من خطاب اليهود الشرقيين، ومبدياً تضامنه معهم وفي حركاتهم الاحتجاجية من حين لآخر، وهي الحركات ذات الطابع الاجتماعي والتذمر العام.
لقد نُشرت في السنوات الأخيرة كُتب ودراسات عديدة حول بداية انتفاضات مُتوقعة لليهود الشرقيين (السفارديم) ضد الوضع السائد في إسرائيل، وبخاصة هيمنة اليهود الغربيين (الإشكناز) على مفاصل الحياة المُختلفة العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية، وسيطرة النخبة الإشكنازية الغربية على الأعمال الإدارية والمهن التقنية...الخ، وكذلك سيطرتها على رأس المال اللازم لامتلاك المصانع والشركات، ووجودها في قمة الهرم في المؤسسة الإسرائيلية المُتحكمة بالقرار كمجلس الوزراء والوظائف الحكومية.
وفي هذا السياق يندرج كتاب سامي شطريت «النضال الشرقي - حكاية اليهود العرب في إسرائيل» والصادر عن «مركز مدار» للدراسات في رام الله، ويُعتبر هذا المركز من اهم المؤسسات التي تُسلط الأضواء على مختلف جوانب وظواهر الحياة في إسرائيل.
يؤكد الكاتب أن حركة اليهود الشرقيين في إسرائيل، باعتبارها حركة سيرورة مقاربة ومشابهة لمجمل النشاط السياسي للسود في الولايات المتحدة إبان سنوات الخمسينات والستينات من القرن الماضي، وباعتبارها حركة حقوق مدنية، تقاس إنجازاتها بناء على الحصيلة الكلية لمجموع أجزائها. ومن خلال الاستعانة بهذا المفهوم، فإنه يشخص إنجازين رئيسيين ينطويان على قدر من الأهمية للحركة الشرقية، أولهما إجبار الدولة على الاعتراف في شكل أو آخر بسياسة اللامساواة المنتهجة من قبلها، والثاني تحقيق الشرعية لحركة اليهود الشرقيين في الشعارات والمواقف التي ينادون بها لجهة المساواة وتقاسم الدخل العام.
إن سوسيولوجيا المجتمع الإسرائيلي اليهودي مُعقّدة، نتيجة التَشكّل الطارىء لهذا المُجتمع باعتباره طفرة طارئة غير طبيعية في نشوئه، وباعتباره مُجتمعاً ناتجاً من خليط قومي وإثني، متعدد اللغات والثقافات طبقاً لمنابت وأصول السكان. ويُقدر بأن عامل الزمن في قضية المساواة بين اليهود الشرقيين والغربيين يَعمل ضد اليهود الشرقيين، والدليل على ذلك زيادة الفجوة بينهم وبين اليهود الغربيين على كل المستويات.
ومحصلة القول، إن حالات التذمر الاجتماعي من قبل الفئات اليهودية ذات الأصول الشرقية، هي محل جذب واهتمام من قبل قوى اليمين واليمين المتطرف من أجل كسبها وجرها للتصويت لقوائمها في الجولة المقبلة من الانتخابات التشريعية، والتي يُقدر أن تفوز بها غالبية يمينية، ستكون قادرة على تشكيل حكومة ائتلافية، تعيد إنتاج التركيبة الحالية لحكومة نتانياهو، مع تعديلات جوهرية، بحيث تغيب عن الحكومة المقبلة كل المنغصات التي واجهها نتانياهو مع وجود كتلة يمين الوسط بقيادة تسيبي ليفني زعيمة حزب «الحركة».

(المصدر: الحياة 2015-01-22)