إصلاحات اقتصادية جدية في الكويت
تتميز الكويت من بين سائر دول مجلس التعاون الخليجي بإظهار جدية لتبني إصلاحات اقتصادية وذلك في إطار التكيف مع ظاهرة انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية.
حقيقة القول، يوجد منطق قوي لهذه الخطوة بالنظر للاعتماد الكبير على القطاع النفطي لرفاه الاقتصاد الكويتي. يساهم القطاع النفطي، بما في ذلك تكرير النفط الخام إلى منتجات وكذلك الغاز، بنحو 90 بالمائة من إيرادات الخزانة العامة و85 بالمائة من الصادرات و40 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي. وبالتالي، لا يشكل الحديث حول إصلاحات اقتصادية مفاجأة، بل ضرورة، خصوصا في ظل غموض مستقبل أسعار النفط.
من بين جملة الأمور، تدرس السلطات فكرة خصخصة الجمعيات التعاونية، وهي خطوة لا تحظى بشعبية في العديد من الأوساط في البلاد، بما في ذلك البرلمان. بيد أنه يمكن الزعم بأن عددا من البرلمانيين الليبراليين والذين عززوا مواقعهم في مجلس الأمة في الانتخابات الأخيرة يقدرون أهمية وضع حد لدور الدولة في الاقتصاد المحلي والحفاظ على الثروات العامة وتعزيز دور القطاع الخاص في الشأن الاقتصادي.
مؤكدا، تمارس الجمعيات التعاونية دورا محوريا في الاقتصادات المحلية، حيث تسيطر هذه الجمعيات، والتي يزيد عددها على 55 جمعية تعاونية عدى فروعها المتعددة، على نحو 70 بالمائة من إجمالي أنشطة التجزئة في الكويت، وهي نسبة كبيرة في كل حال من الأحوال.
يشار إلى أن تاريخ الحركة التعاونية في الكويت يعود للعام 1962، أي لعدة عقود مضت. وقد أسهمت الحركة في وضع الأساس لتطوير مماثل في بعض دول المنطقة وخارجها، إذ يعتبر الاتحاد الكويتي للجمعيات التعاونية أنموذجا لنصرة مصالح الشركات التعاونية.
من الناحية الإيجابية، لا يعتبر التضخم في الكويت مصدرا للصداع، ويرجع الفضل في ذلك، بشكل جزئي، للجمعيات التعاونية عبر حفاظها على أسعار منخفضة نسبيا للمنتجات وبالتالي جذب العملاء والاحتفاظ بهم.
في المقابل أو من الناحية السلبية، تشكل مسألة الحفاظ على أسعار متدنية نسبيا من خلال الحصول على دعم من السلطة، تقويضا لموضوع منافسة متاجر التجزئة الصغيرة. وفي هذا الصدد، تسعى المتاجر الصغيرة المنافسة في السوق على أساس الخدمات المقدمة للمستهلكين مثل البقاء مفتوحة لساعات طويلة، بل على مدار الساعة إذا اقتضى الأمر.
وامتدادا لتوجه الحد من النفقات والالتزامات المالية، تسعى الجهات الرسمية إلى تعزيز إيرادات الخزانة العامة أينما كان ممكنا.
على سبيل المثال، اعتبارا من بداية 2015، قررت السلطات المختصة فرض رسوم على الطائرات التي تمر عبر المجال الجوي للكويت، وهي من الممارسات الشائعة في العالم.
ومع ذلك، سوف يتم استبعاد بعض الرحلات الجوية من دفع الرسوم في حال كانت الرحلة تبدأ وتنتهي في الكويت.
علاوة على ذلك، تدرس الحكومة، وبشكل جدي، إمكانية إعادة هندسة برنامج الدعم لتحقيق أهداف حيوية تشمل تقليص الأعباء المالية على الدولة، فضلا عن الاستخدام الأمثل للثروة. يعتقد أن كلفة مختلف أنواع المشاريع المدعومة باهظة وتصل لحد 18 مليار دولار. وفي الإطار نفسه، يلاحظ وجود خطط لدى دول أخرى في مجلس التعاون، خصوصا عمان والبحرين بإعادة النظر لموضوع الدعم.
على أقل تقدير، فرض ويفرض موضوع انخفاض أسعار النفط واقعا جديدا يتطلب مراجعة شاملة للمسائل الاقتصادية. مؤكدا، من الصواب إجراء مراجعة دورية للأمور الاقتصادية لضمان الاستخدام الصحيح للثروة، حيث تعتبر الثروات محدودة في كل الظروف، حتى وإن كانت كثيرة.
يعيش في الكويت نحو 4 ملايين نسمة، يشكل المواطنون أقل من ثلث السكان. وكما هو الحال مع بقية دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، توفر الكويت فرص عمل للعمال المهاجرين، خاصة من الدول الآسيوية والإفريقية، ما يعني أن خيرات البلاد تعبر القارات وهي سياسة صائبة في عصر العولمة.
بكل تأكيد، يستفيد المقيم من مسألة السلع والمنتجات المدعومة المتوافرة في التعاونيات.
ويمكن القول بأن معاودة النظر لبرنامج الدعم خطوة صحيحة إذا كان الهدف هو تقصير الدعم للمحتاجين.
وفي هذا السياق، ينبغي نبذ أي تمييز بين السكان المحليين والأجانب للحصول على سلع مدعومة، بشرط أن يكون الفرد مستحقا لذلك، مواطنا كان أو أجنبيا.
من الواضح، توفر ظاهرة الانخفاض الحاد لأسعار النفط خلال الأشهر القليلة الماضية فرصة تاريخية للمسؤولين للبحث عن سبل معالجة بعض التحديات التي تواجه الاقتصاد الكويتي، بما في ذلك الإفراط في التوظيف في الدوائر الحكومية.
يعتقد بأن نحو 90 بالمائة من المواطنين يعملون في مؤسسات تابعة للدولة وهي من الحالات الفريدة على مستوى العالم.
بيد أنه هناك من يعتقد بأن الأمر يندرج في إطار إعادة توزيع الثروة بين المواطنين، خصوصا في الظروف الطبيعية.
لكن الحديث الآن حول ظروف غير طبيعية، الأمر الذي يضع تساؤلا حول مدى استدامة سياسة التوظيف في القطاع العام.
باختصار، تسير الكويت صاحبة رابع أكبر اقتصاد في دول مجلس التعاون الخليجي بعد السعودية والإمارات وقطر، بخطى بطيئة لكن ثابتة، لإجراء إصلاحات اقتصادية ملموسة، لكن تبقى العبرة في التنفيذ وليس النوايا.
الأمل كبير بأن تنجح الكويت في تحقيق إصلاحات اقتصادية تساهم في نيل اقتصادها الوطني مراتب متقدمة في بعض المؤشرات الدولية.
يعد هذا الأمر مهما بالنظر لعدم حصول الكويت على نتائج في جملة المؤشرات مقارنة مع باقي دول مجلس التعاون.
حديثا فقط، كشف تقرير مدركات الفساد لعام 2014 والذي صدر في شهر ديسمبر، عن نجاح الكويت في تحسين ترتيبها مرتبتين، لتحل بذلك في المرتبة 67 دوليا من بين 174 اقتصادا.
لكن يبقى ترتيب الكويت الأدنى في المنظومة الخليجية خصوصا مقارنة مع كل من الإمارات وقطر اللتين حلتا في المرتبتين 25 و26 دوليا على التوالي.
(المصدر: الشرق القطرية 2015-01-18)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews