هجوم باريس (2)
أعود وأكرر إدانتي للهجوم الذي تعرضت له صحيفة شارلي أبيدو على أيدي نفر من المتطرفين الذين يعتمدون القتل تعبيرا عن الرفض ، متناسين بأن رسول الله عليه الصلاة والسلام تعرض لكل ألوان التنكيل والتشويه والإيذاء فصبر وشكر وانتصر .
ولئن كنت أدنت بشدة في مقال الأسبوع الماضي هذه العملية الإرهابية كما كل أعمال العنف والإرهاب في كل مكان في العالم، إلا أنني أقف مندهشا أمام توحد ووحدة الصف التي أبداها زعماء وقادة ورأي عام من أجل " شارلي " طارحين من الإعتبار والإستذكار مئات الآلاف من الضحايا الأبرياء رجالاً ونساء وأطفالاً وعجائز قضوا تحت عنف واستبداد وإجرام حكومات وقادة سكبوا على شارلي وصحفييها ورساميها دموع التماسيح .
يرتكب حكام مجرمون كل لحظة مجازر و" شارليات " عديدة بحق الإنسانية في كل من غزة والعراق وسورية وغيرها .
من حق فرنسا أن تعبر عن حزنها ، ومن حق أنصار الرأي في العالم أن يعبروا عن رأيهم وتعاطفهم معها حكومة وشعبا وأنا أحدهم ، ولكن كيف تقبل فرنسا والغرب أن يشارك في " تشييع " شارلي مجرم انتهى للتو من ذبح عشرة آلاف طفل وشيخ وامرأة ؟.
كيف يمكن أن يتقبل الغرب مجرماً كنتنياهو احتل أسلافه بلاداً لم تكن يوماً لهم، قتلوا شعباً وشردوه في أصقاع الأرض، استباحوا مدناً وبيوتاً ليست ملكهم، دمروا حيوات وطمسوا حضارة ولغة وتاريخا ليس من إرثهم ، كيف لهم أن يتقبلوا مجرد " فكرة " مشاركة هذا السفاح الإرهابي حزنهم.
لماذا لم نجد هذا التوحد بين الحكام العرب أمام جرائم بشار ، ولماذا لا نرفع الصوت واحداً عالياً أمام الأطماع الاستعمارية بحق بلداننا وشعوبنا ؟؟ .
أرفض فعل الإرهابيين في فرنسا ، ولكن اعذروني : فأنا لست شارلي ، أنا ذلك الطفل الفلسطيني الذي يقف على المعابر ليالي وأياما دون أن يسمح له بالعبور ، أنا ذلك الطفل السوري الذي قضى بردا في العاصفة ، أنا تلكم المرأة العربية التي صانت أنوثتها وشرفها لكن وطنها للآسف لم يصنها، أنا ذلك الأب اللاجئ الذي وقف عاجزا عن إنقاذ أسرته من الغرق في بحار التيه بحثاً عن الأمن والأمان، أنا تلك الأم الثكلى التي فقدت فلذة كبدها من أجل حرية لم تتحقق ، أنا ذلك الشاب العربي الذي تُغلق في وجهه سفارات العالم خوفاً منه ومن إرهابه، أنا رب الأسرة العربي الذي نحت في الصخر من أجل حياة كريمة له ولأولاده، أنا ذلك الشيخ الذي أمضى حياته باحثا عن حياة كريمة في وطنه فلم يجدها وإذ به ضيفا على أولاده في بلاد ليست وطنه ، أنا تلك العجوز التي تحلم بقبر إلى جانب رفيق عمرها ، لا في أرضٍ بعيدة ، غريبة !.
نعم ، أنا هو العربي المسلم الذي أفتخر بإسلامي ورسالته الإنسانية وبرسوله الكريم وأخلاقه وسيرته الخالدة !.
د. فطين البداد
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews