هجوم باريس (1)
هجوم باريس المسلح الذي وقع في السابع من الشهر الحالي ، والذي تعرضت له مجلة " شارلي إيبدو" الساخرة وأدى إلى مقتل ١٢ شخصاً فضلاً عن العديد من الإصابات البالغة، هو هجوم إرهابي لا يستهدف دولة بعينها أو مجموعة بذاتها ، وإنما يستهدف الإنسانية بكل مفرداتها ، ولا يمكن ربط مثل هذا النوع من الهجمات بدين السلام والمحبة والإيثار : الإسلام العظيم .
لا يمكننا إنسانياً وسياسياً إلا أن ندين هذا الهجوم الهمجي ونرفضه وعلى كل دول المنطقة والعالم تكثيف العمل لمواجهة الفكر المتطرف وعزله .
لقد ضرب الإرهاب الولايات المتحدة من قبل ، بعد أن رعت أصحابه في أفغانستان وزودتهم بصواريخ حرارية ، وأعتدة حديثة ودربتهم وأغدقت عليهم الأموال ، ولما اشتد عودهم رموها بدائها وانسلوا ، ووقع ما وقع ، وها هو الإرهاب يضرب أوروبا ، بعد أن صمتت القارة العجوز ، وهي القادرة ، عن جرائم الأسد في سوريا ، والمالكي في العراق ، وصالح في اليمن ، فخرجت علينا داعش ، بقضها وقضيضها ، وقاعدة الجهاد في الجزيرة العربية ، وأنصار الشريعة في شبوة ، وكله بسبب تواطؤ أمريكا وأوروبا مع حكام ساموا شعوبهم سوء العذاب ، والآن ، دخل الفأس في الرأس .
وإذا كان أوباما زار السفارة الفرنسية في واشنطن متضامنا مع الفرنسيين " الحلفاء والأصدقاء " كما قال ، فإنه كان عليه أولا أن يجيب الشعب الأمريكي عن السؤال الكبير : لماذا صمت على داعش كل هذه الشهور والسنوات ، حتى احتلت ثلث العراق ونصف سوريا ، ولماذا رفع أصبعه عن الزناد إبان تجاوز الأسد لخطوطه الحمراء التي ثبت أنها وهمية ، ومجرد ألوان فراغية ، تماما كالقنابل التي يلقيها الأسد على الحجر الأسود وداريا والغوطة والشيخ مسكين وغيرها ، ثم : ألم يقل مسؤولون عسكريون أمريكان : إن القضاء على داعش قد يتطلب ثلاثين عاما ، فما هو مخطط أمريكا بالضبط ؟ .
إن ما يجري في البلدان الساخنة لم يحفز الأمريكان ، ولن يحفزهم ليعيدوا النظر بما فعلوه في العراق، عندما مكنوا إيران من رقبة العراق ليستبدلوا استبداد صدام حسين ، باستبداد طائفي كريه يزكم الأنوف ، وبدلاً من إقامة حكم ديموقراطي متوازن يشرك بشكل عادل كافة مكونات العراق، أقاموا سلطة مذهبية ميليشاوية تابعة لإيران أوغلت في تهميش السنة ونهب العراق، ومن أجل ذلك ، أصبح سنة العراق مستعدين للتحالف مع الشيطان.
وعندما تصمت أميركا عن قتل ربع مليون سني وتهجير ١٠ ملايين منهم وتهديم مدنهم على يد نظام طائفي مدعوم من إيران، ستجد هنا السنة السوريين مستعدين لقبول داعش والنصرة خاصة عندما تحرم القوى المعتدلة من الدعم.
وعندما يصل الإرهاب المتطرف لأميركا مرة أخرى ، وهو ما لا نتمناه للشعب الأمريكي الطيب ، ستضطر الحكومة الأمريكية - ربما - لإعادة النظر في سياستها ، وعندئذٍ سيكون هناك حل للكارثتين : العراقية وقد أصبح عمرها ١٢ عاماً ، والسورية وستبلغ الرابعة قريباً.
لكن : يبقى علينا - كعرب ومسلمين - أن نوّحد كلمتنا ونرفض بشدة أن يفتعل هذا العمل الإرهابي المزيد من التوتر والصراعات بيننا، وأن نعبر عن احتجاجنا على ما يمس مقدساتنا بالحوار والنقاش لا بالسلاح والقتل ، والأهم أن نعمل جميعاً لإيصال صورة الإسلام السمح المعتدل وصورة رسولنا الكريم الحقيقية إلى الغرب والعالم، وللحديث عن شارلي بقية الأحد القادم.
د. فطين البداد
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews