Date : 23,11,2024, Time : 03:28:06 AM
11238 : عدد القراء حاليا
حالة الطقس
°C
Amman,Jordan
13
اليوم
العليا 22° الدنيا 12°
غداً
العليا 18° الدنيا 12°
أرسل خبر
آخر تحديث: الأحد 23 صفر 1434هـ - 06 يناير 2013م 03:56 م

النظام الذي قتل أكثر من ستين ألفاً

النظام الذي قتل أكثر من ستين ألفاً
حازم الأمين

بعد نحو سنتين من بدئها، ما زالت الثورة في سورية مستمرة في ازاحة المزيد من العتمة التي كان البعث بسنواته الخمسين قد أسقطها على هذا البلد. التحولات الدموية التي أصابت الثورة، وانتقالها من ثورة سلمية الى حرب والى مواجهات عسكرية لم تحرف الثورة التي صارت حرباً، عن مهمة موازية لمهمة اسقاط النظام، وهي الكشف عن سورية.

سورية كانت بلداً مجهولاً. البعث أنضج سلطته عبر توليه تخفيض الضوء عن كل شيء فيها، وبعد وقت قليل عمت العتمة. وفي بداية الثورة رحنا نسمع بأسماء مدن وأحياء ومناطق جديدة. وجوه فتية التظاهرات، وكفاءاتهم أشعرتنا بحقيقة كم أننا نجهل سورية. واليوم وبعد سنتين على الثورة، وسنة على تحولها حرباً، ما زالت سورية تُدهشنا بما كنا نجهله عنها. صحيح ان المأساة اتسعت لتشمل كل أنحاء البلد، وأن نحو 20 في المئة من البنية التحتية للبلد دمره النظام، لكن العتمة ما زالت مستمرة في الانكشاف، وإن على نحو مأسوي.

ها نحن اليوم مثلاً نتحقق من ان في دمشق متحفاً كانت إحدى المنظمات الدولية قد صنفته «عاشر أهم متحف في العالم»! من كان يعرف بذلك؟ عرفنا اليوم ذلك في سياق إقفال المتحف ونقل مقتنياته الى المصرف المركزي. عرفنا أيضاً بالكثير من المواقع الأثرية السورية عبر تقارير جديدة عن عمليات نهب تتعرض لها. الاقتصاد كان مشمولاً بعتمة البعث، ذاك ان بلداً ذا اقتصاد موجه ومُسيطر عليه من جانب النظام ونخبه الأمنية والعسكرية، ما كان ليخطر في بالنا انه يضم في عتمته هذه القاعدة الواسعة من البورجوازية المدينية المتينة. فِرق «الراب» الموسيقية الدمشقية كانت تعزف في السر، و «التكنو» كان يُعتبر انحرافاً. كانت المهمة الوحيدة المنوطة بالأجهزة الأمنية والحكومة، هي حماية النظام عبر بث العتمة.

ثم ان النظام مد هذه العتمة لتشمل فكرة غير السوريين عن سورية. فقد كنا نذهل مثلاً بشجاعة مخرجين ايرانيين من أمثال مخملباف وكياروستامي، لكننا لم نُذهل من شجاعة عمر أميرلاي وأسامة محمد على رغم أننا كنا نراها. كنا نعتقد ان ليس لهذه الشجاعة وظيفة في هذا النظام الأبدي.

قتل النظام في السنتين الأخيرتين ستين ألف سوري. الرقم يبدو مذهلاً وكابوسياً، لكن قتلاً بطيئاً وغير صاخب كان باشره للروح السورية كان أقسى من قتله الستين ألفاً. قتل لا يمكن احصاؤه أو تصويره. سعي للإلغاء عبر التجهيل وعبر المصادرة. فلكي نحمي النظام كان علينا في البداية الا نجعل لمتحف دمشق صورة، وألا نضعه في منافسة مع متاحف تضمها دول لا تخاف أنظمتها من المتاحف. الأمن أولاً، ثم ان التاريخ بدأ منذ نشوء البعث، والوقت لم يحن بعد لأن ننشئ متحفاً للبعث. عدد السياح كان محكوماً بالاعتبار الأمني فقط. وعندما انتقلت سورية الى «اقتصاد الخدمات» في عهد الرئيس الإبن، لم يكن المتحف استثماراً يُجزي السماسرة والمرابين في الحلقة الضيقة للنظام. الاقتصاد الجديد يتطلب ربحاً سريعاً تؤمّنه شركات الهاتف الخليوي والاتصالات، لا المتاحف. أما حقيقة ان الهاتف الخليوي واقتصاد الاتصالات سيُهدد العتمة ويكشف عن المتحف، فما كانت لتخطر في بال النظام.

المزيد من المساحات في سورية هو اليوم في الضوء. القتلى صاروا ستين ألفاً، لأن العتمة انكشفت عنهم. قتلى حماه في 1982 كانوا نحو 30 ألفاً، ولم يُعترف بهم كقتلى ولم تصدر الأمم المتحدة نشرة بهم، لأن العتمة كانت حالكة. وبهذا المعنى، فإن تحرير سورية من العتمة كان المهمة الأولى التي أنجزتها الثورة. القتيل الآن صار قتيلاً، والمتحف عاد عاشر أهم متحف في العالم على رغم سحب مقتنياته الى المصرف المركزي. الأغنياء السوريون ظهروا فجأة في فنادق بيروت ودبي وعمان. لقد استرجعوا صورتهم بعد ان كانوا مختبئين ومنكفئين وساعين وراء مشاركة الضباط. صحيح انهم استرجعوها مرغمين، لكننا بدأنا نسمع منهم الحقائق. فالبورجوازية الحلبية والدمشقية كانت قبلت بالتسوية مع البعث في مرحلته الأولى ثم عادت وقبلت بمشاركته في مرحلة ثانية، وفي المرحلة الثالثة جاء النظام بنخبه المالية واحتل الاقتصاد السوري مبقياً على هامش ضيق للآخرين. اليوم وبفعل الثورة نسمع عن ذلك، ونرى صوراً ونقرأ وقائع.

الفقراء، وهم أكثرية السوريين، لم يعودوا مجهولين: ها هي أسباب فقرهم واضحة ومعلنة. قبل ذلك كان الفقير فقيراً فقط، لا أسباب لفقره ولا نتائج. اليوم ها هم مئات الآلاف الذين نزحوا في السنوات العشر الأخيرة من منطقة الجزيرة الى ريف دمشق بسبب الجفاف يعلنون عن أنفسهم بعد ان كان النظام منع الصحافة من تناول قضيتهم. وها هم مزارعو أدلب يظهرون ويقولون ان «اقتصاد الخدمات» قضى على القطاع الزراعي الهائل في المنطقة، فحول سكانها الى عمال مياومين في المدن الكبيرة وفي بيروت. للفقر بعد الثورة أسباب محددة، وصار من الممكن لنا تفسير سبق الريف في الالتحاق بالثورة.

ستون ألف قتيل في العامين الأخيرين رقم مرعب من دون شك. انهم ستون ألف نفس وستون ألف روح وعقل ووجدان. لكن اذا احتسبنا المساحة التي كان يسعى النظام قبل الثورة الى قتلها في النفس الواحدة عبر بث العتمة فيها، وأعدنا توزيع النسب على عدد السوريين، حصلنا على رقم هائل هو أكبر بأضعاف من الستين ألف قتيل.

الثورة لم تُسرع من وتيرة القتل الذي يمارسه النظام، كل ما فعلته هو إلقاء ضوء عليه، كشفه مع رفع الصوت وإظهار الألم. لا بل ان القتل البطيء ذاك كان في امتداده وتوسعه في نفوس الأحياء مهدداً للطبيعة التقدمية للنفس البشرية، فالقبول بموت شيء في النفس هو فعل قنوط، كانت الجملة الأولى التي قالتها الثورة مؤشراً على بداية رفضه. هذه الجملة كانت في التظاهرة خافتة الصوت في دمشق وهي من أربع كلمات فقط: «الشعب السوري ما بينذل».

* نقلا عن "الحياة" اللندنية




مواضيع ساخنة اخرى

استـ خبارات روسيا: النـ اتو هو من يقود الهجـ مات المضادة وليس الجيش الأوكـ راني
استـ خبارات روسيا: النـ اتو هو من يقود الهجـ مات المضادة وليس الجيش الأوكـ راني
شاهد تركيا يقـ تل حماه بالرصـ اص ثم يـ صرع طليقته في وضح النهار
شاهد تركيا يقـ تل حماه بالرصـ اص ثم يـ صرع طليقته في وضح النهار
إيطاليا تقهر هولندا وتخطف برونزية دوري الأمم
إيطاليا تقهر هولندا وتخطف برونزية دوري الأمم
السعودية: الثلاثاء 27 حزيران وقفة عرفة والأربعاء عيد الأضحى
السعودية: الثلاثاء 27 حزيران وقفة عرفة والأربعاء عيد الأضحى
رسميا.. أول مرشح يعلن خوض انتخابات الرئاسة في مصر
رسميا.. أول مرشح يعلن خوض انتخابات الرئاسة في مصر
واشنطن : إصابة 22 عسكريا في حادث تعرضت له هليكوبتر بشمال شرق سوريا
واشنطن : إصابة 22 عسكريا في حادث تعرضت له هليكوبتر بشمال شرق سوريا
هنا الزاهد تصدم جمهورها بصورة لها قبل عمليات التجميل!
هنا الزاهد تصدم جمهورها بصورة لها قبل عمليات التجميل!
جديد صاحبة الفيديو المشين لطفليها.. تورط ابنها وزوجها الثاني في المصر
جديد صاحبة الفيديو المشين لطفليها.. تورط ابنها وزوجها الثاني في المصر
سماع دوي انفجار في العاصمة الأمريكية واشنطن (فيديو)
سماع دوي انفجار في العاصمة الأمريكية واشنطن (فيديو)
البنتاغون يندد بتصرفات الصين "الخطرة" في آسيا
البنتاغون يندد بتصرفات الصين "الخطرة" في آسيا
78 زعيما دوليا يشاركون في مراسم تنصيب أردوغان السبت
78 زعيما دوليا يشاركون في مراسم تنصيب أردوغان السبت
أوغندا تقر قانونا يجرم المثلية الجنسية وبايدن غاضب ويهدد بقطع المساعدات
أوغندا تقر قانونا يجرم المثلية الجنسية وبايدن غاضب ويهدد بقطع المساعدات
لبنان.. اختطاف مواطن سعودي في بيروت
لبنان.. اختطاف مواطن سعودي في بيروت
السودان.. اشتباكات كثيفة في الخرطوم قبيل انتهاء الهدنة
السودان.. اشتباكات كثيفة في الخرطوم قبيل انتهاء الهدنة
رغم انتصاره الكبير في باخموت.. قائد فاغنر يحذر من تبعات خطير
رغم انتصاره الكبير في باخموت.. قائد فاغنر يحذر من تبعات خطير
الضفة: إصابات بينها برصاص الاحتلال وهجوم للمستوطنين على فلسطينيين
الضفة: إصابات بينها برصاص الاحتلال وهجوم للمستوطنين على فلسطينيين
  • لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :

اضف تعليق

يمكنك أيضا قراءة X


اقرأ المزيد