تراجع العملات لا يعني تراجع الأسعار
قادت سياسة ربط الريال السعودي مع الدولار الأمريكي إلى تحسن معدلات صرف الريال مع معظم عملات الدول المصدرة للمملكة خلال السنوات الثلاث الماضية. وارتفعت معدلات أو أسعار صرف الريال أمام اليورو الأوروبي والين الياباني خلال السنوات الثلاث المنتهية بشهر أكتوبر من هذا العام بنسبتي 11.8 في المائة، 39.6 في المائة على التوالي. كما ارتفعت أسعار صرف الريال السعودي أمام العملات الأوروبية الأخرى وكذلك أمام الدولارين الكندي والأسترالي. وشهدت معدلات صرف الريال ارتفاعا قويا أمام الراند الجنوب إفريقي ولكنها شهدت أقوى الارتفاعات أمام الريال الإيراني وبنسبة وصلت إلى نحو 150 في المائة خلال السنوات الثلاث الماضية، وذلك حسب بيانات مؤسسة النقد العربي السعودي. وشهدت معدلات صرف الريال تراجعا بحدود 4 في المائة أمام اليوان الصيني وشبه ثبات أمام اليوان الكوري، وتحسنت بعض الشيء أمام الروبية الهندية خلال السنوات الثلاث الماضية. ويرى البعض أن تحسن معدلات صرف الريال ينبغي أن يصاحبه تراجع في أسعار الواردات بنسب تراجع معدلات هذه العملات نفسها أمام الريال لأن تكلفة استيراد هذه السلع أو الخدمات انخفض بسبب تراجع أسعار العملات، ولكن أسعار السلع المستوردة في الأسواق المحلية لم تشهد انخفاضات ملحوظة خلال الفترة الماضية. فهل ذهبت منافع تراجع العملة وبأكملها لجيوب الوكلاء والمستوردين؟
والجواب طبعا لا، صحيح أن كثيرا من المستوردين قد استفادوا من تراجع معدلات صرف العملات ولكن ليس بالنسب نفسها التي يتصورها البعض. ويرجع ذلك لوجود عديد من العوامل الأخرى التي تؤثر في أسعار السلع والخدمات، التي تقلص من فوائد تراجع العملة أو قد تضخم منها. ومن أبرز تلك الأسباب معدلات التضخم في الدول التي انخفضت أسعار عملاتها، فإذا كانت المعدلات مرتفعة فهذا سيلغي مكاسب تراجع العملة – فالسلع الإيرانية لم تنخفض أسعارها في المملكة على الرغم من تراجع الريال الإيراني بنسب كبيرة وذلك بسبب معدلات التضخم العالية التي شهدتها إيران خلال السنوات الماضية، وكذلك تسعير صادراتها بالدولار الأمريكي. من جهة أخرى، يخفض تراجع إنتاجية الاقتصاد والعمالة بشكل محدد من منافع تراجع العملة. كما يوجد عديد من العوامل الأخرى التي تؤثر في أسعار الواردات، التي من أبرزها شمول سعر السلعة أو الخدمة المستوردة للمستهلك النهائي على تكاليف سلع وخدمات محلية وكذلك رسوم وضرائب وعمولات وأرباح محلية. وقد تصل تكاليف السلع والخدمات المضافة محليا أو في دولة ثالثة بعد التصدير إلى أكثر من 50 في المائة من تكاليف بعض السلع. ولا يسعر المصدرون في معظم دول العالم سلعهم بالعملة المحلية بل بالدولار الأمريكي، ولهذا لا يظهر تأثير تغير عملات الدول المصدرة على أسعار صادراتها. ومن أهم هذه الدول البلدان الآسيوية التي تستورد منها المملكة نسبة كبيرة من وارداتها. وتؤثر تصرفات المصدرين والأسعار في الأسواق العالمية في أسعار السلع والخدمات. ويقود تعظيم الشركات أرباحها إلى تمسك الشركات بأسعار السوق حتى لو انخفضت التكاليف. ولن تخفض الشركات أسعار منتجاتها إذا لم تكن هناك منافسة كاملة في الأسواق تفرض عليها ضرورة خفض الأسعار للإبقاء على حصتها في الأسواق. ولا توجد على أرض الواقع منافسة كاملة في الأسواق لهذا تقتنص الشركات المصدرة فرصة تراجع عملاتها المحلية وتسعر منتجاتها بالعملات العالمية، وقد تكون الشركات المصدرة المستفيد الأول من تراجع عملاتها. وتسيطر على جزء كبير من التجارة الدولية الشركات العالمية العابرة للقارات التي تنتج في أكثر من بلد، لهذا فإن تأثير تراجع العملات المحلية يتشتت بين الدول ولا يظهر بالكامل في منتجاتها. وتصنع الشركات العالمية منتجاتها في أماكن مختلفة من العالم وبذلك يصعب تحديد تأثير تراجع عملة ما في منتجات شركة معينة ما لم يحدد بالضبط مصدر المنتج ونسبة التصنيع. وتجري عمليات تبادل كبيرة لأجزاء المنتجات ما بين الشركات العالمية وداخل تلك الشركات ولكن بين فروعها الموجودة في بلدان متعددة. فشركات السيارات الكبرى مثل GM تصنع أجزاء سيارات كثيرة مثلا في الصين ثم ترسلها لبلد آخر كأستراليا أو المكسيك أو كندا ثم تصدرها إلى المملكة كمنتج يعتقد كثير منا أنه أمريكي. كما تستورد مثلا شركات السيارات اليابانية كثيرا من قطع غيار السيارات الأمريكية والصينية المنشأ وتصدر السيارات كسلع يابانية أو تايلاندية. ويتوقف تأثير تغير سعر الصرف على مستوى القيمة المضافة في السلعة، فأجهزة الآيفون تصنع في الصين ولكن معظم قطعها تصنع في الولايات المتحدة أو في دول أخرى، ولهذا فإن تأثير تغير معدل صرف العملة الصينية محدود في أسعار هذه الأجهزة. وتشكل الواردات أجزاء مختلفة من قيمة الصادرات، فاليابان تستورد معظم السلع الأولية ولهذا فإن تراجع معدلات صرف الين ترفع تكاليف المدخلات المستوردة، وبهذا ينخفض تأثير تراجع الين في صادراتها. أما بالنسبة للسلع الأولية كالمعادن والمنتجات الزراعية فتحدد أسعارها في الأسواق العالمية بناء على مستويات العرض والطلب العالمي لهذه السلع، لهذا فإن تأثير تغير العملات المحلية محدود في أسعار هذه السلع. وتحاول كثير من الشركات حماية نفسها من تقلبات العملة من خلال التحوط في سوق العملات ونتيجة لذلك لا يستفيد كثيرا من تقلبات العملة في الأمد القصير، ويذهب كثير من فوائد تغيرات العملة إلى المؤسسات العاملة في الأسواق المالية.
(المصدر: الاقتصادية 2014-12-14)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews