Date : 23,11,2024, Time : 07:04:13 AM
17759 : عدد القراء حاليا
حالة الطقس
°C
Amman,Jordan
13
اليوم
العليا 22° الدنيا 12°
غداً
العليا 18° الدنيا 12°
أرسل خبر
آخر تحديث: السبت 20 صفر 1436هـ - 13 ديسمبر 2014م 03:49 ص

الثورة المصرية وحكم البراءة

الثورة المصرية وحكم البراءة
د. عبد العليم محمد

أثار حكم البراءة الذى حصل عليه مبارك ومعاونوه من تهمة قتل المتظاهرين إبان ثورة الخامس والعشرين من يناير عام 2011، ردود فعل واسعة محلياً ودولياً، من الطبيعى أن الاحتكام للقضاء يحتمل الأمرين معا أى الإدانة والبراءة، وبما أن أى حكم قضائى هو فصل بين طرفين متنازعين، فإن الحكم بالبراءة يغضب الطرف الذى كان يتوقع الإدانة، ويفرح الطرف الآخر، فلكل من البراءة والإدانة أنصارهما ومؤيدوهما على اختلاف توجهاتهم.
وبصرف النظر عن مواقف القوى السياسية المختلفة فى المشهد الحالى من حكم البراءة المثير للجدل، فإن التركيز هنا يتعلق بالتعليقات وردود الأفعال المحلية والعالمية إزاء حكم البراءة، وخاصة تلك التعليقات التى ربطت بين مصير ثورة الخامس والعشرين من يناير عام 2011 وبين حكم البراءة، ذلك أن العديد من هذه التعليقات والتصريحات أعلنت أن هذا الحكم اذهب التضحيات هباء منثوراً« وفقاً لصحيفة «لوس أنجلوس تايمز» الأمريكية واعتبرت نيويورك تايمز «أن تبرئة الرئيس السابق» رفض ساحق لثورة يناير، وأن هذا الحكم صفعة جديدة لروح الثورة المصرية وبنكسة كبيرة لروح أهم ثورات الربيع العربى وفقاً لمجلة «تايم» الأمريكية.

ونشرت العديد من الصحف البريطانية تعليقات مفادها أن الحكم «ختم قضائى على انتكاس الثورة» وعلق بعض الباحثين الأجانب قائلاً «إن الحكم انتصار كبير للنظام القديم والدولة العميقة» رغم صحة الحكم من الناحية القانونية، ووصفت جريدة «جارديان» الحكم بأنه اتحكم الثورة المضادة»، وذهبت العديد من التعليقات والتصريحات فى هذا الاتجاه الذى يربط مصير الثورة بهذا الحكم ويعلن نهاية الثورة.

وهذه التعليقات تثير بدورها الجدل، تماماً كحكم البراءة الذى علقت عليه، والسؤال هو هل يمكن لحكم قضائى أياً كان أن ينهى ثورة شارك فيها ملايين المواطنين وامتدت موجتها الثانية فى 30 يونيو لتدفع هى الأخرى ببضع عشرات الملايين من المواطنين ضد حكم الإخوان؟ وهل كانت طبيعة الدعوى المرفوعة أمام القضاء تتعلق بوقوع ثورة أم عدم وقوعها، أو توصيف ما حدث إبان الثمانية عشر يوماً من يناير عام 2011 وما إذا كان ثورة أم انتفاضة أو احتجاج؟ لقد تعلقت الدعوى المرفوعة أمام القضاء بأحد نتائج ثورة الخامس والعشرين من يناير وهى جريمة قتل المتظاهرين وليس بانتهاء الثورة أو فشلها.

ولا شك أن الرد على هذه التعليقات يتمثل فى أن الثورة والقوى السياسية التى ساهمت فى صنعها قد ارتضت طوعا أو كرهاً ونتيجة لتوازنات سياسية إبان هذه الفترة، بين الفاعلين فى المشهد السياسى، الذى أعقب الثورة اللجوء إلى المحاكم والقضاء الطبيعى، ولم تلجأ إلى المحاكم الاستثنائية والقوانين الاستثنائية، وهذا الأمر وإن كان مخيبا للآمال والتوقعات من قبل أهالى الشهداء والثوار والقوى السياسية، إلا أنه من منظور آخر ربما يحسب للثورة المصرية والقوى السياسية التى وقفت وراءها ودعمتها، إذ ينطوى على رفض المحاكمات الاستثنائية واعتبار خصومها مواطنين أفسدوا فى الأرض ينبغى محاكمتهم وفقا للقاضى الطبيعى، واعتبار أن مثل هذه المحاكمات الاستثنائية قد تنتقص من حقوق التقاضى وضماناته التى يكفلها للمتهمين، وقد يكتب التاريخ فى صفحاته ويذكر ذلك كميزة انفردت بها الثورة المصرية دونا عن غيرها من الثورات؛ لأنها باختصار ثورة ديموقراطية طالبت بالديموقراطية والتعددية واحترام حقوق الإنسان وإقامة دولة مدنية عصرية ستظل بحكم القانون.

صحيح أن الثورة قد تعرضت للفشل والإحباط ولكن ذلك ليس مرتبطاً بالبراءة لخصومها، بل يرتبط بأسباب أخرى من بينها بقاء السياسات السابقة على الثورة أو صعود حكم الإخوان، أى عودة السياسات المنحازة للأغنياء والتى تعمق الفقر والعوز والتخلف، أو تلك السياسات الطائفية الدينية التى تقسم الأمة إلى ملل ونحل، ولقد تمكنت مؤسسات الدولة من احتواء وترويض الثورة وفشل الثورة قد يعود إلى الضعف التنظيمى والقيادى للثوار، ورفض الانخراط فى بنى مؤسسية وحزبية تمثل قوى ضاغطة على النظام لتبنى سياسات تحقق أهداف الثورة وإعلان انحيازاته لأهداف الثورة ومطالبها.

لقد انخرطت الثورة المصرية فى عملية تغيير واسعة استهدفت إنهاء التسلط وبناء دولة القانون والدولة المدنية والقضاء على الفساد وتدعيم حقوق المواطنة والحريات، ونجحت فى إسقاط نظام مبارك ورموزه، ووضعت سدا منيعاً فى وجه عودة هذا النظام، يتمثل فى عودة المواطن إلى الاهتمام بالشأن العام والمجال العام والفضاء السياسى، وكسر حاجز الخوف بعد إسقاط نظامين مثلاً وجهين لعملة واحدة رغم اختلاف منطلقاتهما، نظام الإخوان ونظام مبارك، كانت محاكمة مبارك مجرد جزئية صغيرة فى سياق عملية التغيير التى قادتها الثورة، لم يكن الدافع للثورة هو الانتقام من مبارك بقدر ما كان إسقاط نظامه الذى أنتج الفقر والعوز وضمن إعادة إنتاجهما عبر العقود.

تبرئة مبارك ومعاونيه لا تعنى مطلقاً تبييض صفحة نظامه أو صفحات معاونيه، فهذه الصفحات سوف يذكرها التاريخ ويتوقف عندها طويلاً باعتبارها من أسوأ الصفحات، فى تاريخ هذه الأمة، التى فقدت فيها بريقها ووهجها وتأثيرها فى محيطها وعالمها، إن الخصومة بين نظام مبارك وبين الثورة ليست شخصية وإنما موضوعية تتعلق بنظامه وسياساته الداخلية والخارجية، ومعيار النجاح هو إنهاء هذه السياسات وبدء سياسات جديدة تفتح الطريق لمصر إلى الانطلاق والتعافى.

إن اختزال مصير الثورة فى حكم البراءة يحكم على الثورة المصرية بالسطحية، فكأنما قامت الثورة لمحاكمة مبارك، وكان ذلك هو هدفها الأول، فى حين أن الثورة كانت لها أهدافها الأكثر شمولاً واتساعاً، إزاحة النظام برموزه وسياساته وإفساح المجال للتطور الديموقراطى العصرى ودولة القانون.

إن تاريخ الثورة المصرية وتقويم مسارها بل ستكتبه نتائج الثورة وإنجازاتها وتجلياتها فى الواقع والعمليات والديناميات التى فتحت الثورة أمامها الأبواب رغم الفشل وهى على أية حال كثيرة ولم تصل إلى نهاياتها بعد.

تكتسب محاكمة مبارك ومعاونيه فى هذا السياق قيمة رمزية ومعنوية، حيث لبث وراء القضبان بضع سنين وامتثل للمحاكمة التى طالب بها الشعب ولا شك أن هذه الواقعة تمثل سبقاً تاريخياً انفردت به مصر والمصريون، والوجه الآخر للبراءة التى حصل عليها هو بقاء قضية قتل المتظاهرين ماثلة فى ضمير المصريين حتى يظهر الفاعل الأصلى، وهو أمر مرهون بإرادة وجهود كافة الأطراف، الثوار والقوى السياسية وأجهزة الدولة المختلفة وكافة الفاعليات المدنية القانونية والسياسية.

(المصدر: الأهرام 2014-12-13)




مواضيع ساخنة اخرى

استـ خبارات روسيا: النـ اتو هو من يقود الهجـ مات المضادة وليس الجيش الأوكـ راني
استـ خبارات روسيا: النـ اتو هو من يقود الهجـ مات المضادة وليس الجيش الأوكـ راني
شاهد تركيا يقـ تل حماه بالرصـ اص ثم يـ صرع طليقته في وضح النهار
شاهد تركيا يقـ تل حماه بالرصـ اص ثم يـ صرع طليقته في وضح النهار
إيطاليا تقهر هولندا وتخطف برونزية دوري الأمم
إيطاليا تقهر هولندا وتخطف برونزية دوري الأمم
السعودية: الثلاثاء 27 حزيران وقفة عرفة والأربعاء عيد الأضحى
السعودية: الثلاثاء 27 حزيران وقفة عرفة والأربعاء عيد الأضحى
رسميا.. أول مرشح يعلن خوض انتخابات الرئاسة في مصر
رسميا.. أول مرشح يعلن خوض انتخابات الرئاسة في مصر
واشنطن : إصابة 22 عسكريا في حادث تعرضت له هليكوبتر بشمال شرق سوريا
واشنطن : إصابة 22 عسكريا في حادث تعرضت له هليكوبتر بشمال شرق سوريا
هنا الزاهد تصدم جمهورها بصورة لها قبل عمليات التجميل!
هنا الزاهد تصدم جمهورها بصورة لها قبل عمليات التجميل!
جديد صاحبة الفيديو المشين لطفليها.. تورط ابنها وزوجها الثاني في المصر
جديد صاحبة الفيديو المشين لطفليها.. تورط ابنها وزوجها الثاني في المصر
سماع دوي انفجار في العاصمة الأمريكية واشنطن (فيديو)
سماع دوي انفجار في العاصمة الأمريكية واشنطن (فيديو)
البنتاغون يندد بتصرفات الصين "الخطرة" في آسيا
البنتاغون يندد بتصرفات الصين "الخطرة" في آسيا
78 زعيما دوليا يشاركون في مراسم تنصيب أردوغان السبت
78 زعيما دوليا يشاركون في مراسم تنصيب أردوغان السبت
أوغندا تقر قانونا يجرم المثلية الجنسية وبايدن غاضب ويهدد بقطع المساعدات
أوغندا تقر قانونا يجرم المثلية الجنسية وبايدن غاضب ويهدد بقطع المساعدات
لبنان.. اختطاف مواطن سعودي في بيروت
لبنان.. اختطاف مواطن سعودي في بيروت
السودان.. اشتباكات كثيفة في الخرطوم قبيل انتهاء الهدنة
السودان.. اشتباكات كثيفة في الخرطوم قبيل انتهاء الهدنة
رغم انتصاره الكبير في باخموت.. قائد فاغنر يحذر من تبعات خطير
رغم انتصاره الكبير في باخموت.. قائد فاغنر يحذر من تبعات خطير
الضفة: إصابات بينها برصاص الاحتلال وهجوم للمستوطنين على فلسطينيين
الضفة: إصابات بينها برصاص الاحتلال وهجوم للمستوطنين على فلسطينيين
  • لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :

اضف تعليق

يمكنك أيضا قراءة X


اقرأ المزيد