قنبلة موقوتة في غزة!
الواقع الصعب في الشرق الاوسط حوّل حياة جميل حسنين في لحظة من القصف. حسنين يسكن في قطاع غزة وعمل في السابق كمقاول بناء في اسرائيل وقام ببناء الكثير من المنازل للاسرائيليين. وبنى لنفسه ايضا منزلا جميلا، لكن حينما جاءت الجرف الصامد جعلته من غير منزل، وهو أب لـ 12 ولدا، محبطا ويائسا. وفي غزة يوجد أكثر من 100 ألف شخص مثله.
يُحذرون في الاجهزة الامنية من أن هذه قنبلة الزمن، ولا يجب تجاهل هذا الامر. «اذا استمر موضوع اعمار غزة بهذا البطء فهذا خطر حقيقي للتصعيد»، قال رجال أمن رفيعو المستوى ويشددون على أن السكان في القطاع يعيشون واقعا انسانيا صعبا، الامر الذي يزداد سوءً مع قدوم الشتاء.
لا يوجد ما آكله
يقول حسنين، عملت 30 سنة في اسرائيل، وجميع مدخراتي قمت باستثمارها في منزل مكون من ثلاثة طوابق بنيته للعائلة، والآن هو مدمر. أين سأبني الآن؟ عمري تجاوز الخمسين عاما، لا يوجد ما آكله، لا استطيع شراء علبة سجائر، أين سأذهب؟
منذ العملية يسكن حسنين في كرفان مع عائلته. الأمطار التي هطلت في الآونة الاخيرة وأغرقت القطاع ضربت عائلته كما ضربت باقي سكان القطاع بدون رحمة.
وهو يقول إن كل شيء مبلل وبارد على الاطفال. أردت بناء بيتي، وقد حصلت على إذن، وأنا بحاجة إلى 10 آلاف طوبة من اجل اعمار البيت، أعطوني 50 كيس اسمنت، أخذتها إلى مصنع الطوب، وطلبوا مني شراء المزيد من الرمل والحصى. يوجد لدي الآن في المصنع 2000 طوبة ويجب أن أدفع لهم 3.500 شيكل. أين الاموال التي وعدت بها اوروبا؟ أين جميع التصريحات؟ لماذا يجب أن أدفع أنا ثمن كل ذلك؟ ما صلتي بحماس وأبو مازن؟ لقد عملنا لدى الاسرائيليين طول الوقت. أعطوني فقط لكي آكل وأسكن مع العائلة وأعمل. أين سيذهب الجميع الآن؟ ثقوا بي، الجميع يريدون السلام، لكن دعونا نعيش بكرامة.
نسبة بطالة عالية
عملية «الجرف الصامد» أدت إلى تدمير وضرر صعب جدا لعشرين ألف منزل في القطاع. حسب التقديرات فان هناك نقص كبير في غزة يبلغ 5 ملايين طن من مواد البناء من اجل الاعمار، اضافة إلى نقص يبلغ 5 ملايين طن اخرى تسببت بها القيود التي تفرضها اسرائيل ومصر على دخول مواد البناء إلى القطاع خشية من استخدامها للأغراض العسكرية.
بعد النقص الخطير نشأت هناك سوق سوداء لمواد البناء، والاسعار عالية جدا والمواطنون هم الذين يعانون. نحو 120 ألف شخص بدون سقف و23 ألف ما زالوا يسكنون في المدارس التابعة لوكالة الغوث أو عند اصدقاء وأقرباء.
الحرب غير المتوقفة أضرت بالصناعة: منذ النصف الثاني من السنة الماضية وحتى نهاية الربع الاول من عام 2014 فقد 17.400 شخص اماكن عملهم ممن عملوا في قطاع البناء. نسبة البطالة ارتفعت ووصلت إلى 45 بالمئة قبل «الجرف الصامد». بدون بيت وعمل فان السكان في غزة يضغطون على قيادة حماس للعمل من اجل تغيير الوضع، ولا يوجد ما يخسرونه اذا توجهوا للارهاب.
صحيح أن اعمار غزة يتم حتى الآن من خلال جهاز مشترك لاسرائيل والسلطة الفلسطينية والامم المتحدة. الفلسطينيون يقولون إن عمل هذا الجهاز بطيء جدا ويتحدثون عن السوق السوداء التي خلقها الواقع. القطاع الخاص والفلسطينيون يتهمون السلطة واسرائيل، وردا على ذلك يقول اشخاص من مكتب رئيس الحكومة إن: اسرائيل تقوم بدورها حسب الاتفاق. وفي كل الحالات فانهم في اجهزة الامن وفي السلطة الفلسطينية قلقون جدا من البطء الكبير في اعادة الاعمار، وهم يخشون من جولة عنف اخرى.
«غزة الآن مروضة وهادئة بالذات بسبب مصالح حماس»، يقول شخص رفيع المستوى في الاستخبارات العسكرية، «ولكن يجب الانتباه إلى عدم التدهور من التوقعات والآمال باتجاه سقوط التوقعات. بعد ثلاثة اشهر من العملية ما زال الاعمار قليل جدا وبطيء جدا».
وزير الاسكان الفلسطيني، مفيد حساينة، قلق ايضا: «هذا من شأنه أن يدهور المنطقة إلى جولة عنف اخرى. عندما يغيب الأمل قد يحدث العنف. يجب اعطائهم الأمل. الناس يتوجهون إلي ويريدون مني مساعدتهم على العمل والأكل في المستقبل، ولا أعرف كيف أعطيهم الأمل، ولا استطيع مساعدتهم».
ازدهار السوق السوداء
رغم تهديد الانفاق فقد وافقت اسرائيل في الاسابيع الماضية على السماح بادخال مواد بناء إلى القطاع من خلال جهاز خاص. تم بناء هذا الجهاز من خلال منسق العمليات في المناطق اللواء يوآف مردخاي، ورئيس الحكومة الفلسطيني رامي الحمد الله وروبرت سيري مبعوث الامم المتحدة للشرق الاوسط.
حسب الجهاز فان الامم المتحدة توفر الأمن والحماية لجميع الموزعين المعتمدين الذين يقومون في تخزين مواد البناء في مخازن محصنة ومراقبة من قبل شركات حراسة وكاميرات. وقد تم احتساب المنازل التي تضررت أو هُدمت وكمية الاسمنت المطلوبة لاعمارها.
لكن مخاض الجهاز أوجد كما هو متوقع سوقا سوداء: سعر كيس الاسمنت ارتفع إلى 26 شيكل، والكميات المسموح بنقلها قليلة جدا. حسنين المقاول يعرف السوق السوداء عن قرب. «لا يوجد ما يكفي من المواد والاموال لبناء المنزل، لهذا تُباع المواد الموجودة في السوق السوداء بـ 200 شيكل للكيس، وهناك من يدفع 1000 شيكل للكيس». ويقولون في القطاع إن جزءً كبيرا من المواد التي تُباع في السوق السوداء تصل إلى الفلسطينيين الاغنياء ومنظمات الارهاب.
وزير البناء حساينة يقول إنه لا يمكن فعل أي شيء بالكميات القليلة من المواد التي نحصل عليها، ولا توجد اموال ايضا من اجل البناء. الاموال التي وُعدنا بها لم تصل، لهذا فان الحل هو بيع ما هو متوفر في السوق السوداء وربح الاموال كي يستمروا في العيش. الجهاز يعمل ببطء شديد ونحن بحاجة إلى كميات أكبر. النقص كان موجود قبل الحرب ايضا، لدينا الكثير من المشكلات، الجميع يتهمونا – المواطنون، السياسيون، القطاع الخاص. يجب على اسرائيل فتح المعابر وأن تسمح بالاعمار الحقيقي للقطاع. بدون أمل لا أستطيع رؤية كيف يمكن الامتناع عن جولة اخرى من الحرب.
في منظمات حقوق الانسان ايضا قلقون من وتيرة الاعمار. مدير عام منظمة «غيشه»، ايتان ديموند يقول: «على خلفية الاتفاق والاجماع على أن اعمار غزة هو حاجة مُلحة لا سيما لسكان القطاع، فيجب فعل كل شيء من اجل تسهيل دخول مواد البناء. مرت أكثر من ثلاثة أشهر على انتهاء الحرب، ورغم التصريحات الاحتفالية المتكررة إلا أن التنقيط بطيء».
جهاز مُهين وغبي
قالت مصادر في قيادة تنسيق العمليات في المناطق لصحيفة «معاريف» هذا الاسبوع إن انتقال المواد من السوق السوداء إلى منظمات الارهاب قليل جدا.
وقالت ايضا إن الناس بحاجة إلى اعمار بيوتهم، وهناك عدد كبير ممن لا يوجد لهم سقف. وهناك حاجة إلى أن تمر بضع سنوات من اجل اعادة بناء ما تم هدمه، وعندما سيبدأ البناء ستتاح فرص العمل لسكان القطاع، الامر الذي سيُحسن الوضع الاقتصادي. يقول مصدر رفيع المستوى في قيادة تنسيق العمليات في المناطق إن الحل يرتبط بشكل كبير بالاموال. وحتى الآن يضطر سكان القطاع إلى دفع الاموال من جيوبهم الخاصة من اجل الحصول على الإسمنت. وهذا أحد اسباب وجود السوق السوداء، وسيتغير هذا فقط عند انتقال الاموال التي تم جمعها – 5.4 مليار دولار.
وتضيف المصادر بأن اسرائيل تقوم بعمل المطلوب لتسريع الاجراءات. وتشير مصادر رفيعة المستوى إلى أن السلطة الفلسطينية هي التي تجر أقدامها، وهناك اسباب كثيرة تدفع السكان إلى اتهام السلطة مع وجود عدم ثقة بين الضفة والقطاع، بين فتح وحماس، السلطة تحاول تعزيز قوتها في القطاع من خلال هذه العملية.
لكن السكان في القطاع لا تهمهم السياسة. يقول فيصل الشوا لصحيفة «معاريف»: «نحن بحاجة إلى رغبة الاسرائيليين في مساعدتنا». فيصل هو عضو في ادارة بنك فلسطين، ومقاول وعضو مجلس القطاع الخاص، «يجب أن تقرر حكومة اسرائيل اذا كانت تريد لغزة التطور أو الموت. اذا أرادت التطور فيجب رفع وتيرة الاعمال. لكن لا شيء يتقدم. هذا الجهاز المضحك غير فعال، إنه مُهين وغبي، ما الذي فعلوه؟ قاموا بوضع الكاميرات في كل زاوية في القطاع وتحول ذلك إلى احتلال الكتروني».
الوزير حساينة غاضب من القطاع الخاص الذي يهتم بنفسه بدلا من مساعدة الحكومة. «إنهم يهتمون أولا بالمشاريع والحاجات الشخصية الخاصة بهم، ويتهموننا دون النظر إلى أنفسهم».
(المصدر: معاريف 2014-12-09)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews