تعددت الآراء والنفط واحد
نحن الكتاب، ومعنا المتخصصون والمحللون، ولا يهون المتفيقهون، أمرنا كله عجب. نتحاور ونتناقش ونتعارض وأحيانا، وإن كان نادرا، يسفه بعضنا الآخر، كل ذلك حول مواضيع تتعلق بوجود وزوال النفط، لا يزيده ضجيجنا وانفعالنا إلا ثباتا وصمودا وكأننا لسنا جزءا من هذا الوجود. فمهما كانت آراؤنا واقتراحاتنا واعتراضاتنا، فلن تغير من الواقع شيئا. وإنما هي طبيعة الإنسان الذي يصر دائما على أنه على حق ورأي غيره المخالف له على خطأ. وتكشف الأيام أن كلينا لسنا محقين فيما ذهب كل منا إليه. وتظهر النتائج مغايرة لما توقعنا وتخاصمنا من أجله.
فها هي ذروة الإنتاج النفطي، تأخذ حيزا واسعا من تفكيرنا ووقتنا، ونختلف في توقيتها، مع حضور الكثير من البراهين والحجج التي يستخدمها كل طرف من الأطراف المهتمة بهذه القضية التي لا تعدو عن كونها نظرية. وسواء كانت ذروة الإنتاج قد حطت رحالها قبل عشر سنوات، كما يعتقد البعض منا، أم أنها لا تزال في الطريق ولا يكون تشريفها إلا بعد عشر سنوات أخرى، فالأمر سهل ولن يزيدها ذلك ولا ينقصها برميلا واحدا. ولكنه حب كسب الرهان والفوز في السباق، أي سباق! وفي الوقت نفسه، نجد هناك جدلا آخر، لا يقل ضراوة عن جدال الذروة، يتعلق بمستقبل الأسعار النفطية. وهنا يتدخل الواقع الذي يفرض نفسه على الساحة، ولكنه لا يفصل بين المتخاصمَين. واللافت للنظر أن هناك فارقا شاسعا بين الرأي الذي يقول باحتمال نزول الأسعار والطرف الذي يتبنى موقفا معاكسا. وتكاد المسافة بين الطرفين تفسد الحوار، لضخامة الفارق بين الموقفين، إلى درجة تحرج العاقل الذي يبحث عن الحقيقة. وباختصار شديد، يرى المسرفون من الطرف الأول أن سعر برميل النفط ربما يهبط خلال السنوات القادمة إلى مستويات متدنية جدا، وهو رأي جنوني بكل المقاييس ونحن نتحدث في أواخر عام 2014. آخر من تنبأ بهذا المستوى السعري، يدعى "دِنِسْ قارْتمن"، يظهر من صفته أنه إعلامي. وفي ذلك استغفال لأمر مهم، وهو أن تكلفة نسبة لا تقل عن 80 في المائة من الإنتاج العالمي أعلى بكثير من عشرة دولارات. والرأي المغاير، يتوقع صعود الأسعار إلى ما يزيد على 150 دولارا للبرميل خلال السنوات العشر القادمة. هل رأيتم البعد الفاحش بين المتنافرَين، واستحالة التقريب بينهما؟ والحديث هنا يشير إلى طرفي عصا التطرف، وليس إلى الأمور الوسطية الأقرب إلى الصواب. ولكن لندع السوق تقرر مصيرها بنفسها. تتذبذب بين الارتفاع والانخفاض والعالم يتفرج، لا حول له ولا قوة، ومصائب قوم عند قوم فوائد. ولكن نظرة إلى تاريخ الإنتاج النفطي وعدم استكشاف حقول جديدة من نوع التقليدي الرخيص خلال ما يزيد على 40 سنة الماضية، واستمرار نمو الطلب العالمي، يؤذن باحتمال أكيد أن الأسعار في طريقها إلى الصعود.
ونختلف عند تحديد الاحتياطيات النفطية. وهنا علينا التفريق بين مجموع الاحتياطي العالمي الذي يزيد على عشرة تريليونات برميل، ويشمل التقليدي الرخيص وغير التقليدي المكلف. فاحتياطي الباقي من التقليدي لا يتجاوز 1.5 تريليون حسب الأرقام المعلنة، وإن كانت مصداقيتها تخضع لتساؤلات حقيقية. ويمثل إنتاج التقليدي نسبة عالية من الإنتاج اليومي الذي يمد العالم بالطاقة، قد تتجاوز 70 في المائة. وباقي الاحتياطي ينتمي إلى النفط غير التقليدي، مثل النفط الصخري والصخر النفطي والرمال النفطية والثقيلة، وما يكتشف في أعماق البحار والمناطق المتجمدة. ومهما كان من أمر الاختلاف وعدم التوافق بين الأطراف المختلفة، وبصرف النظر عن الأهمية القصوى لهذا الموضوع، فإن الأمور ستسير حسب ما تمليه قوانين الطبيعة ومتطلبات المجتمعات الإنسانية. ولن تجدي نفعا المحاورات البيزنطية والاختلاف في التوقعات.
وثمة رأي له مؤيدوه، رغم ضعف الحجة. وهذا الرأي يحذر من احتمال الاستغناء عن النفط كليا وهو في عز شبابه. وخطورة هذا الرأي تكمن في أن منظريه ربما لا يجدون حرجا في استنزاف أكبر كمية ممكنة من النفط قبل أن تبور هذه السلعة الثمينة. وسؤال المليون، ماذا لو لم يستغن العالم عن النفط، في الوقت الذي نكون فيه قد قضينا على مصدر معيشتنا وحياتنا؟ فلا هناك دليل علمي ولا تجريبي يبرهن على أن هناك أدنى فرصة لإيجاد مصدر يفوق مميزات النفط الطاقوية والخصائص الأخرى الفريدة. وليس من المنطق أن نتخذ من شماعة التقدم التكنولوجي وسيلة لتحقيق كل ما نعجز عن تحقيقه.
ومهما كان من الأمر ومن تعدد الآراء واختلاف الرؤى، فالنفط يحكم نفسه بنفسه.
(المصدر: الاقتصادية 2014-11-30)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews