الحوار من أجل 'الفراغ' الرئاسي
لم تكن في أي يوم من الأيام رائحة الفساد غريبة عن أنوف اللبنانين، فهذا البلد غارق دائماً في مسلسلات الفضائح بشتى أنواعها، الغذائية، الصحية، المالية والبيئية.
أما رائحة الحياة السياسية في لبنان، فلا تقل رداءة عما يكشف يومياً من عفونة واهتراء داخل مستودعاته الغذائية، ومؤسساته الرسمية المفككة.
المجلس النيابي يمدد لنفسه بأغلبية 95 صوتاً، أما المعارضون فقالوا لا “لغاية في أنفسهم”، وبكل كبرياء وثقة يعلن قادة التيارات السياسية أن الظروف الإقليمية لم تنضج بعد لانتخاب رئيس جديد، بينما دول العالم والأمم المتحدة تطالب بالإسراع في انتخاب رئيس للبلاد.
وفي الوقت الذي يوزع فيه سماحة السيد صكوك الوطنية على أهالي طرابلس على وقوفهم إلى جانب الجيش في المعارك الأخيرة، ويثني على القيادات السياسية في المدينة لمواقفها “الشجاعة” في مواجهة “التكفيريين”، نجد في الجهة المقابلة وحيث تفيد المعلومات الميدانية من البقاع، أنّ حزب الله “أضاف مربعاً أمنياً جديداً إلى منظومة مربّعاته المنتشرة في المنطقة، متخذاً من شعار “مكافحة الإرهاب” مبرّراً لإحكام قبضته العسكرية على القرى الواقعة ضمن نطاق هذه المنطقة.
يأتي ذلك وسط هواجس عبّرت عنها مصادر أهلية من أن تكون شهيّة الحزب الناظر “بعين القضم الممنهج للمنطقة” مفتوحة على التمدّد والإمساك عسكرياً وأمنياً بالقرى المسيحية والقرى ذات المكونات الاجتماعية المتنوّعة.
وهو الأسلوب ذاته الذي تمارسه سياسة “القضم” الإستيطانية، إنما بمخالب “صديقة”، ومن خلاله تتم عسكرة الريف المسيحي والدرزي في ظل الظروف الاقتصادية التي تعيشها المنطقة، وأمام فزاعة “التكفيريين”.
ومع أن الحوار يمثل ضرورة وحاجة إلى جميع اللبنانيين، على الأقل من حيث استكمال تشكيلة الدولة، وعلى رأسها منصب الرئاسة، فإن “حزب الله” يعتمد على حلفائه المسيحيين في “8 آذار” من أجل أداء مهمة التعطيل وإحراج القوى المقابلة من “14 آذار” في شقها المسيحي.
قد يكون الحوار مطلبا إقليميا، ولكن هل ظروف نضوجه قد حانت؟، وحول ماذا سيتم الحوار، في ظل التباعد العميق بين طرفين متناقضين لا يجمعهما أي قاسم مشترك، ولا حتى في نظرتهما إلى مستقبل الدولة، التي ربما يجد الحزب أنه من المبكر البحث فيها الآن.
في عرف الذين يحاولون ترميم ما أفسدته تجارب “حزب الله” مع الرئيس سعد الحريري، أنه من الصعب إيجاد قواسم مشتركة بين الرجلين في ظل الوضع الراهن، ولن يكون أولها تأكيد الحزب مراراً وبشكل حاسم أنه لا خروج من معركة سوريا قبل تحقيق أهداف دخوله إليها برعاية وتوجيه إيرانيين.
وفي الوقت الذي تتسارع فيه التحضيرات لبدء شكل من أشكال الحوار بين “حزب الله” وتيار “المستقبل” أقله على حل أزمة الفراغ الرئاسي، بمساع وضغوطات من الرئيس نبيه بري، ضمن معطيات دولية وإقليمية تشجع على إنهاء هذه الأزمة، يعتقد “تيار المستقبل” أن الأولوية ترتكز على انتخاب الرئيس، الذي بدوره سيرعى الحوار “الشامل”، الذي يتطلب بدوره مشاركة سياسية لبنانية على غرار “حوارات بعبدا” التي بقيت مجرد لقاءات لم تؤد إلى أي نتيجة. وإذا كان ملف الحوار قد أسند إلى وزير الداخلية نهاد المشنوق (المقبول من حزب الله) والمتوجه إلى باريس للقاء الحريري والبحث في جدول أعمال الحوار، فهذا يعني أن “المستقبل” قد تجاوز العديد من العقبات، أبرزها، طلب السعودية من الأمم المتحدة إدراج حزب الله على لائحة المنظمات الإرهابية، والإفادات “المثيرة” التي يدلي بها بعض السياسيين اللبنانين أمام المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري.
الجميع مقتنع بضرورة عزل لبنان عن التطورات الإقليمية وقد تكون “عين التينة” مقر رئيس المجلس النيابي نبيه بري، السقف الآمن الذي سيجتع تحته “حزب الله” و”تيار المستقبل”، في محاولة جادة للتوافق حول اسم من خارج ” 8 أو 14 آذار” يعيد للجمهورية اللبنانية رئيسها، ولكنه من المبكر جداً، البحث في “الحوار الشامل” الذي يتتطلب بدوره توافقات داخلية وإقليمية، ودولية، من الصعب التكهن بحدوثها. وما نشهده الآن على الساحة اللبنانية، هو مجرد ترحيل للخلافات الكبيرة إلى إدراج الرئيس اللبناني القادم.
العرب اللندنية 2014-11-25
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews