الموت يقترب ببطء من أقدم مصارف العالم .. وسعر سهمه ينهار
بالنسبة لمواطني سيينا، تبيّن أن تشرين الأول (أكتوبر) شهر قاس. المدينة الإيطالية الجميلة كانت تملك بنكا مزدهرا. كان مؤسسة حققت فيما مضى دخلا كبيرا من أرباح الأسهم للمشاريع الاجتماعية والثقافية، من خلال كيان المجتمع الذي كان يُسيطر عليها. لكن الآن، بانكا مونتي دي باشي دي سيينا هو بمثابة إحراج.
في الشهر الماضي أصبح مصرف مونتي دي باشي أكبر ضحية لاختبارات الإجهاد للبنوك الأوروبية. أظهرت الاختبارات نقصا في رأس مال المصرف بحدود 2.1 مليار يورو، على الرغم من مبلغ خمسة مليارات يورو تم جمعها من إصدار أسهم حقوق قبل بضعة أشهر. وبعد أيام، حُكم على كل من رئيس مجلس الإدارة السابق، والرئيس التنفيذي، والمدير المالي في المصرف، بالسجن لمدة ثلاثة أعوام ونصف عام، في أعقاب اتهامات بأنهم قاموا بتغطية الحقيقة المروّعة لحالة الحسابات في مونتي دي باشي.
ونظراً للإذلال، قد لا يكون مســـــتغرباً أن الإدارة الجــــديدة، المسؤولة عن مــــثل وظيفة التنظيف الســيئة هــــذه، قــد تلقّت تهديدات بالقتل. فقد وجد أحد كبار المديرين خارج منزله رأس خنزير مقطوع. إذا أردنا القياس بالترهيب على غرار فيلم "العرّاب"، ربما هذا لا يطابق رأس الحصان المقطوع في السرير، لكن الرسالة واضحة بما فيه الكفاية. أليساندرو بروفومو، المصرفي المُخضرم الذي تم تعيينه في منصب رئيس مجلس إدارة مصرف مونتي دي باشي في عام 2012، ربما كان حكيماً عندما قرر عدم العيش في المدينة.
مع ذلك، الأمور قد تصبح أسوأ. المصرف الذي تأسس في عام 1471 والمعروف بشكل عام أنه أقدم بنك في العالم، قد لا يصمد على الإطلاق. أسعار أسهمه، منذ الآن، تراجعت إلى مستويات قياسية. وإذا كانت لديه أية فرصة للنجاة، فيجب أن يُحقق نجاحاً من إصدار أسهم حقوق مقترح بقيمة 2.5 مليار يورو. والخبر السار هو أنه وجد مؤسسات ضامنة لدعم الصفقة (وإن كان سيدفع لها رسوما كبيرة تبلغ 3.5 في المائة).
لكن قائمة الأخبار السيئة أطول بكثير. أولاً، هذه ستكون عملية طويلة. قد يستمر جمع التمويل حتى منتصف عام 2015، وبالتالي إطالة المصير غير المؤكد لثالث أكبر بنك في إيطاليا ومنح المُضاربين فرصة وافرة للتلاعب بسعر السهم.
ثانياً، قاعدة المساهمين في المصرف مليئة في الأصل بالمستثمرين المضاربين - من بي تي جي باكتشوال وفينتيك في أمريكا اللاتينية، إلى مجموعة شجاعة من صناديق التحوّط (مع أن أكبرها، يورك كبيتال، يبدو أنه الآن يقوم ببيع جميع مقتنياته التي تصل إلى 5 في المائة).
ثالثاً، المشكلة الأكبر حتى الآن، هي أن أرقام بانكا مونتي دي باشي ببساطة لا يوجد بينها انسجام. حتى لو كانت الخطة الرأسمالية الجديدة تُرضي المنظمين، إلا أن البنك سيُكافح بشدة لأعوام مقبلة. ونتائج الربع الثالث تأثرت بضربة إلى الأدنى تبلغ 700 مليون يورو من اختبارات الإجهاد، ومن المرجح أن يكون هناك أثر إضافي بقيمة 2.3 مليار يورو في أرقام الربع الرابع.
ونظراً لتأثير الإضعاف الناشئ من عملية الاكتتاب الجديدة للحقوق، يعتقد بعض المحللين أن أفضل عائد على حقوق الملكية، الذي يمكن أن يأمل فيه مصرف مونتي دي باشي في الأعوام المقبلة ربما يكون 4 ـ 5 في المائة - نصف المعدل الجديد المنخفض بالنسبة لعائدات الأسهم للبنوك هذه الأيام.
وهذا الرقم يفترض أن الاقتصاد الإيطالي سينتعش. فقط في الآونة الأخيرة، قام الاقتصاديون بتخفيض توقعاتهم لنمو الناتج المحلي الإجمالي مرة أخرى ـ يتوقعون الآن انكماشا بنسبة 0.3 في المائة لهذا العام، ليصبح أسوأ في العام المقبل بنسبة 0.5 في المائة. وخسائر الائتمان في مصرف مونتي دي باشي منذ الآن تبلغ 1.8 في المائة – زيادة عن المعدل مرتين ونصف المرة - وتستنزف 80 في المائة من إجمالي هوامش الربح.
وهناك خطر أن تدعو الحاجة إلى مزيد من رأس المال. فالحدود الدنيا للتنظيم العالمي ارتفعت مرة أخرى. وبإمكان اختبار إجهاد يجريه البنك المركزي الأوروبي عام 2015 أن يكشف عن فجوة أخرى في الميزانية العمومية. إن إصدار ما يسمى طبقة رأسمالية إضافية – أي دين يمكن "إنقاذه" خلال الأزمة - قد يُعالج كلتا المشكلتين، لكنه سيكون مُكلفاً، ويقوّض أكثر من قبل فرص الربحية للبنك.بالنسبة للمساهمين، هذا بالكاد يعتبر مجموعة من العوامل المؤيدة لإصدار أسهم الحقوق. وبعضهم، مثل أولئك الذين استثمروا في شهر حزيران (يونيو)، قد يشعرون بأنهم مجبرون على مضاعفة استثمارهم من أجل تخفيف الخسائر. لكن خيارات الاستثمارات التي تحت التهديد لا تعتبر أنموذجا لنجاح طويل الأجل.
في هذه الأثناء، أسعار أسهم مصرف مونتي دي باشي، على الرغم من تراجعها الحاد، ربما تحتاج إلى المزيد من الانخفاض. الانتعاش غير المؤكد والمخاطر الوجودية ينبغي أن تعني أنه يتم تداول أسهم البنك بسعر منخفض نسبة إلى غيره من المصارف الإيطالية، الأقل سوءاً، مثل يو بي آي. لكنها لا تفعل، استنادا إلى مضاعف ضمني لسعر السهم ما بعد إصدار الحقوق، البالغ تسعة أضعاف أرباح عام 2017.
إحدى الدعائم القليلة التي تسند سعر السهم هي إمكانية الاستحواذ – إما من قبل مشتر أجنبي جريء (وهو أمر غير مرجح) أو من قبل تعاونية كبيرة الحجم لكنها تعاني مشكلات، مثل يو بي آي (وهو أمر معقد). لكن إذا لم يظهر مشتر إلى حيز الوجود، فمن الصعب ابتداع خطة بديلة طويلة الأمد. ومن المؤكد أن عملية إنقاذ من قبل الدولة تبدو مستحيلة سياسيا، بالنظر إلى أن روما، التي تفتقر بشدة إلى السيولة، تخاطر بأن يظهر اسمها في سجل الفضائح إذا استدعى الأمر عملية إنقاذ من الاتحاد الأوروبي. نتيجة الدعائم الحكومية، التي يعود إليها فضل كبير، لم يتم تفكيك أي بنك مهم منذ انهيار ليمان براذرز في 2008. لكن لأن أسهم بانكا مونتي يتم تداولها الآن بسعر أدنى كثيراً بالنسبة إلى صافي الأصول، ربما آن الأوان ليأتي مستثمر نشط ويقترح تفكيك البنك. بالنسبة إلى مواطني سيينا، ربما يتحقق الإذلال النهائي أخيراً.
(المصدر: فاينانشال تايمز 2014-11-16)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews