هل فات أوانُ الحل السلمي في سوريا؟
يدور هذه الأيام الكثيرُ من الحديث عن مبادرات سلمية تقدّمت بها أطرافٌ عديدة لحلّ الأزمة السورية، ومنها مبادرة لروسيا، وثانية تحدّث عنها معاذ الخطيب، الرئيس الأسبق للائتلاف السوري المعارض، ومبادرة ثالثة للمبعوث الأممي دي ميستورا حول تجميد القتال في حلب تمهيداً لتعميم التجربة بالتدريج إلى باقي مناطق سوريا..
هذه المبادرات المتزامنة يمكن فهمها على أساس أن الأطراف الدولية المتورّطة في الأزمة السورية، تريد الآن إنهاءها عبر تسوية سلمية تُفرَض على الفريقين المتناحرين منذ عام 2011، بعد أن استشعرت مدى الخطر المتنامي الذي أضحى يشكله تنظيم "الدولة الإسلامية" على المنطقة برمّتها، فآثرت حل الأزمة السورية سلمياً، للتفرّغ لمحاربته والتنظيماتِ المتحالفة معه بإسناد مهمة قتاله على الأرض للجيش السوري والمعارضة معاً، في حين يتكفل "التحالف الدولي" بمواصلة قصف التنظيم من الجو، لتحقيق نتيجة أفضل مما تحقق إلى الآن من نتائج ضئيلة في ظل عدم وجود تنسيق مباشر مع النظام السوري وضعف الجماعات العلمانية التي يراهن التحالف عليها هناك.
وإذا مالت الأطراف الدولية التي لها علاقة بالأزمة السورية إلى حلها سلمياً، فيمكن أن تجمع الطرفين المتصارعين على مائدة الحوار مجدداً في "جنيف 3"، وأن تضغط عليهما إلى غاية التوافق على تسوية يتمّ بعدها تشكيل حكومة انتقالية للتحضير لانتخاباتٍ عامة، وتُسند رئاستها إلى شخصية معارضة معتدِلة لا يرفضها النظام كهيثم مناع أو حتى معاذ الخطيب الذي راجع مواقفه وأفكاره وأضحى أقلّ تشدداً تجاه نظام الأسد...
لكن الأمور لا تبدو بهذه البساطة حتى وإن اقتنعت المعارضة الآن، ومعها الأطراف الإقليمية والدولية، بضرورة إيجاد تسوية للأزمة مع نظام الأسد وإيقاف الحرب التي دامت نحو 4 سنوات ودمّرت البلد دون تحقيق هدفها في تغيير النظام؛ إذ أن المعارضة التي يجسدها الائتلاف السوري الآن لا تسيطر فعلياً سوى على أجزاء محدودة من سوريا، مقابل هيمنة التنظيمات الاسلامية على أكثر من نصف البلد، فما هو ثقلُ "الجيش السوري الحر" مثلاً على الأرض مقارنة بـ"داعش" و"النصرة"؟
وإذا كان بالإمكان التوصّل إلى تسويةٍ بين النظام والائتلاف السوري بضغوط من أمريكا وروسيا على الطرفين، فإن ذلك متعذرٌ مع التنظيمات الاسلامية، الصراع صِفريٌ معها بلغة علماء السياسة؛ إما ان يحقق النظام الحسم بالقوة أو تحققه هذه التنظيمات لصالحها، ولا منطقة وسطى بينهما.
ومن هذا المنظور، يُخشى أن يكون الحل السلمي قد فات أوانه الآن بعد أن خرجت الأمور من يد الائتلاف السوري على الأرض وأضحت بيد "داعش" و"النصرة"، وهو ما أدركه المجتمع الدولي فأصبح يبحث عن تسوية سياسية يتخلى بموجبها عن مسعاه لإسقاط النظام السوري مقابل انخراطه التام في الحرب الدولية على هذه التنظيمات..
هذا يعني أن أمريكا، وبعد أسابيع عديدة من قصف هذا التنظيم في سوريا، اقتنعت بضرورة قبول شرط طهران بإشراك حليفها السوري في الحرب الدولية عليه مقابل دخولها الحرب بدورها، ولا نستبعد أن يكون مضمون الرسالة السرية التي بعثها أوباما للقادة الإيرانيين مؤخراً هو الاستجابة لهذا الشرط.
هي لعبة السياسة؛ ليس هناك عدوٌّ دائم أو صديقٌ دائم، بل هناك مصالح دائمة.
(المصدر: الشروق الجزائرية 2014-11-15)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews