المهربون يقدمون طوق النجاة للأكراد في كوباني

حول أكواخ الطين السطحية لقريتهم على الحدود التركية، يمتد سياج الأسلاك الشائكة الذي يميّز الفرق الضعيف بين الحرب والسلام - ونقطة البداية للمهربين الذين يستخدمون مساراتهم التي تعود إلى عدة عقود للدخول إلى سورية. هذه الأيام، المادة الممنوعة التي يوجد عليها طلب كبير هي الدم.

في كل يوم، يجمع "خالد" ومجموعته من الرفاق كبار السن سوائل وريدية ضمن حصص التبرع بالدم المعبأ في الثلج والمحمول في حاويات بلاستيكية - يقول الرجل العجوز النحيل بابتسامة، "هذا يشبه ما تستخدمه لتوصيل الطعام". يختار الرجال طريقهم بعيداً عن حراس الحدود الأتراك، وحقول الألغام والمقاتلين الجهاديين، لتزويد العيادات المؤقتة بالمؤن في بلدة كوباني السورية الكردية.

بلدة كوباني، المحاصرة منذ 63 يوماً من قِبل "داعش" المجموعة الجهادية، تقع بالضبط عبر الحدود من موطن المهربين، منطقة زهران. لقد أصبحت المعركة بمثابة صرخة استغاثة وطنية بالنسبة للأكراد، وهم المجموعة العرقية الأكبر في العالم التي لا توجد لها دولة.

تشعر أنقرة بالقلق من الاحتمال بأن يتم تحريض الأقلية الكردية الموجودة فيها من قِبل القوات الكردية السورية عبر الحدود، أثناء بإقامة منطقة حُكم ذاتي في فوضى الحرب الأهلية المستمرة منذ ثلاثة أعوام في سورية.

القوات التركية تكافح للسيطرة على الحركة التي لا تخاطر بجر عضو حلف الناتو إلى المأزق السوري فحسب، بل تقوّض أيضاً المحاولات لإنهاء معركة مستمرة منذ 30 عاماً مع حزب العمال الكردي PKK المحظور في تركيا.

منذ أن أثار الأكراد في تركيا بإثارة أعمال شغب ضد ما يرون أنه عدم رغبة أنقرة في دعم الدفاع عن كوباني، هناك هدوء متوتر ينتظر على الحدود. الدوريات دائمة والقوات التركية غالباً ما تتجادل مع السكان الذين يرغبون في إرسال الطعام والبطانيات عبر الحدود.

من منطقة زهران، يتصل القرويون المدافعون في كوباني للإبلاغ عن حركات مقاتلي "داعش" الذين يطوفون بعيداً على الدراجات النارية، التي تبدو كأنها على بُعد رمية حجر تماماً. المنازل في القرية تم تشويهها بالرصاصات الطائشة. والرعاة يمسكون بكاسات الشاي بإحكام عندما تهتز الأرض من إحدى الغارات الجوية الأمريكية.

يقول خالد: "في الأسبوع الماضي، كان جارنا يستخدم بعض المناظير للتحقق من حركات داعش. فأصابه أحد القناصة في الحلق. وهو الآن في العناية المركزة". وقد أعطى اسماً مستعاراً لتجنّب الكشف.

على الرغم من الدعم الجوي من التحالف بقيادة الولايات المتحدة ضد "داعش"، وتعزيزات منظمة البشمركة من المنطقة الكردية التي تتمتع بحكم شبه ذاتي في العراق المجاورة والدفاع المحلي المصمم، إلا أن القتال في كوباني قد توغّل بحيث لم يعُد واضحاً من الفائز ومن الخاسر.

التيار الكهربائي تم قطعه عن البلدة ومولّد الوقود تنقصه الإمدادات. كما يستبدل المقاتلون الذين بحاجة إلى التواصل الدائم بطاريات الهواتف بدلاً من إعادة شحنها. في الليل، يستخدم الأطباء قداحات السجائر والمشاعل أثناء خياطة الجروح.

يقول مهرب آخر كبير في السن يدعو نفسه محمود: "لقد تم تدمير المستشفيات كافة من قِبل قصف "داعش"، لذلك فإن المباني القليلة التي يدعوها عياداتهم هي في حاجة دائمة إلى كل شيء. نحن نجلب الدواء، والماء المُعقّم ومجموعة الحقن الوريدية. كما نجلب المناظير وبطاريات الهواتف الخلوية - الكثير والكثير من البطاريات".

كما جلبت منظمة البشمركة بجلب الأسلحة الثقيلة من العراق، لكن هذا لم يعمل سوى على نقل القتال من الصخب المستمر لإطلاق النار، إلى وابل من القذائف المدفعية بين كلا الجانبين.

داخل كوباني، الطبيب محمد عارف علي يشعر بالإحباط. يقول، وهو يتنهد عبر الهاتف: "أنا أرى نيران المدفعية، لكن لا أستطيع رؤية مكاسب حقيقية على أرض الواقع. كل ما أعرفه هو أن جماعة داعش كانت تقصفنا لأكثر من 50 يوماً، وبطريقة ما، ما زلنا هنا".

منذ بدء هجوم "داعش"، قدّمت منظمات الإغاثة الدولية الإمدادات لبلدة كوباني، في حين أن المستشفيات التركية قد استقبلت بعض الجرحى. الأطباء الأكراد يقولون إن عملية نقل المساعدات قد تكون متعبة ومرهقة بسبب الشريط الأحمر، والعلاقات المتوترة مع تركيا والخطر القائم على المعابر الحدودية، التي في كثير من الأحيان تتعرض للهجوم.

يقول الأطباء إن المهربين بإمكانهم توصيل الإمدادات - والمرضى - بشكل أسرع. يقول أحد الأطباء الذي وصل للتو مع مريض جريح من كوباني إلى مستشفى في بلدة سروج على الحدود التركية: "في كثير من الأحيان نفضل استخدام المهربين الذين ساعدونا لأعوام، قبل أن يلاحظنا العالم".

كما يقول هو وغيره من الأطباء إن المُقاتلين الأكراد البارزين يحاولون تجنّب المستشفيات، خوفاً من أن يتم اعتقالهم من قِبل الأتراك.

خليل أحمدي، الطبيب الكردي الإيراني، الذي يقول إنه الآن يقضي أيامه يقود في جميع أنحاء مناطق الحدود التركية الجنوبية لمعالجة المرضى سراً، يقول: "إذا كان بإمكاننا معالجتهم في أحد المنازل، نرسلهم إلى منزل آمن. أما إذا كانت الجروح خطيرة جداً، نرسلهم إلى المستشفى ونعطيهم بطاقة هوية سورية أخرى".

على طول قرى الأكواخ الطينية على الحدود، يسافر طبيب كردي آخر ذهاباً وإياباً. يقول المحليون إنه يعالج اللاجئين والمقاتلين المخبأين على حد سواء. وهو يقول، بعد أن طلب عدم ذكر اسمه: "إنها الطريقة الوحيدة لمساعدة ضميري بعد ما حدث ... أنا غالباً ما أرى 50 مريضا يومياً".

وفي سورية، تدوّي الغارات الجوية كل يوم، حيث يجتمع المتفرجون الأكراد على التلة نفسها لمراقبة المشهد نفسه مراراً وتكراراً.

يقول محمود طاير، اللاجئ ذو الشعر الأشيب من كوباني - وهو واحد من 200 ألف شخص لاذوا بالفرار إلى تركيا: "أنا أحاول أن آتي كل يوم". ويُضيف متنهداً، "ابن أخي موجود هناك، لكني لا آتي فقط من أجله. حتى لو كان من الصعب رؤية القنابل تسقط على مدينتنا، علينا إظهار الدعم المعنوي لمقاتلينا".

الفايننشال تايمز 2014-11-14