الاقتصاد وتصريح وزارة العدل بحجز الأموال
في تصريح قوي جدا ومناسب، أكدت وزارة العدل أن عملية الحجز على الأموال ستتم مباشرة على المدينين الذين يصدر بشأنهم حكم قضائي، حيث لا تستغرق عملية الحجز خمس دقائق فقط، ومن ثم تبدأ الوزارة عملية تنفيذ الحكم بتسديد الدائنين، وهذا كله سيتم من خلال الربط مع مؤسسة النقد ولن تستغرق العملية أكثر من يومين.هذا في رأيي تطور مذهل حقا، وجهد مشكور جدا من الوزارة ومن مؤسسة النقد وهذا هو التكامل المنشود بين جميع القطاعات، ذلك أن الأثر الاقتصادي لمثل هذا سيكون مباشرا ومؤثرا جدا.
فالاقتصادي السعودي يعاني المثل الشعبي "ردد يا ليل ما أطولك". فالكثير منا تعطلت مصالحه بسبب مدين "مماطل"، وحكم لم ينفذ، ومحكمة مكتظة بالقضايا". ذلك أن الكثير من العلميات الاقتصادية مبنية على المداينة، بينما الثقافة السائدة لدينا تقول بصعوبة استرداد الدين عن طريق القضاء، لذلك يعمل كثير من المؤسسات على التقليل من مخاطر الدين بالحد من نسبة البيع بالآجل إلى أدنى مستوى وطلب الدفع النقدي الفوري، وهذا أشكل على كثير من رواد الأعمال، خاصة المؤسسات الصغيرة التي قد يطلب الموردون من صاحب مثل هذا المشروع دفع مبالغ نقدية فورية على أساس أنه ليس بثقة بعد ولم يصنع اسما في السوق وليس لديه سجل ائتماني نظيف، لذا فإن فرص النجاح تقل نظرا لضغوط المنافسين الأكثر خبرة القادرين على الشراء بالآجل، ومع ضغوط عدم توافر النقد في مثل هذه المؤسسات، تتعرض للإفلاس المفاجئ فتبقى السوق فقط في أيدي عدد قليل من أصحاب النفوذ. لذا فإن البدء في مثل هذه الإجراءات القضائية التي لن تستغرق يومين سوف يعزز تماما من رغبة التجار والموردين في دعم المؤسسات الصغيرة الجديدة نظرا لوجود غطاء قضائي يحمي أصحاب هذه المنشآت، وهو المطلوب. كما أنه أدعى إلى أن يعمل أصحاب المؤسسات الصغيرة بجهد لأنهم على علم تام بأن جميع حساباتهم معرضة للحجز واستيفاء المبالغ المستحقة للدائنين منها ولا مناص لهم من ذلك.
من جانب آخر، فإن هذا التوجه القضائي سوف يعزز من دعم الاقتصاد بالاستثمارات الأجنبية، فكثير من الشركات الأجنبية لا ترغب في الدخول إلى السوق مباشرة بل تتعامل من خلال وكلاء، وهذا يعود إلى عدم رغبتهم في المخاطرة في اقتصاد غير مدعوم قضائيا، فاستخلاص الحق من المدين قد يتطلب إجراءات طويلة وقد تنتهي بعبارة "يا ليل ما أطولك"، ولذا فإن صدور مثل هذه الإجراءات القضائية الصارمة يعكس جدية الاقتصاد السعودي وسوف يعزز من الثقة في القضاء وبالتالي الاقتصاد الوطني إلى حد بعيد، ما يجذب كبار الشركات العالمية لفتح مصانع في المملكة وتشغيل الأيدي العاملة السعودية وهو المطلوب في نهاية الأمر.
من الجوانب المهمة أيضا في هذا القرار أنه سيعزز جدا من عمليات الدفع بالشيك، وهي من الحلقات الضعيفة في صور النقود المتداولة، حيث لم تزل الثقة بالشيك مفقودة ولا أحد يثق بأحد في هذه الشيكات ما لم تكن مصدّقة من قبل البنك المصدر للشيك، وهذا يؤخر الكثير من الصفقات بل قد يتسبب في إفشالها، ولقد خطت المملكة خطوة هائلة عندما تشددت في موضوع الشيك فمن يصدر شيكا بلا رصيد يتعرض للسجن فورا، لكن اليوم ومع الإجراءات القضائية الجديدة بالحجز الفوري على جميع الحسابات وتنفيذ السداد فورا وخلال يومين مع التعرض لعقوبة السجن على إصدار شيك بلا رصيد فإنني أتوقع أن يصبح الشيك من أفضل وأكثر أساليب الدفع خلال السنة المقبلة.
لهذا أقول إن ما تقوم به وزارة العدل أخيرا من إجراءات صحيحة تدعم بها العدل فهي أيضا تعمل بشكل مباشر وصحيح في دعم الاقتصاد السعودي وتعزيز قدراته، ولهذا أتوقع شخصيا أن ينعكس أثر هذا القرار على سوق الأسهم بصورة ما، ذلك أن كثيرا من الشركات يعاني بندا يسمى الديون المعدومة، وهو بند مزعج جدا وتعمل جميع الشركات على التخلص منه وإخفائه بأي طريقة؛ لأنه يمثل خسائر مردها فقط إلى عميل لم يوفِ بالتزاماته، ولكن وفقا لهذه الإجراءات القضائية فإن الشركات ستنقل كثيرا مما كان يعتبر ديونا معدومة إلى ديون مشكوك فيها وهذا أفضل حالا، لأن هذا مخصص وليس خسارة مباشرة في قائمة الدخل، ولذا أتوقع أن الأثر سيكون أفضل على عرض القوائم المالية وبالتالي قرارات المستثمرين.
وأعود للقول إن هناك كثيرا من النتائج والآثار المهمة لهذا القرار، ولذا أدعو الباحثين إلى تتبع الآثار الاقتصادية لهذا القرار المهم خلال الحقبة المقبلة.
(المصدر: الاقتصادية 2014-11-01)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews