عنصرية إسرائيل: من المهد إلى اللحد
رغم أن قدراً من التمييز العنصري ضد اليهود الشرقيين في إسرائيل حاصل في مجالات التعليم والاقتصاد والمؤسسات الإسرائيلية الاستراتيجية والجيش، فإنه لا يمكن مقارنة ذلك بدرجات التمييز العنصري التي يعاني منها فلسطينيو 48 في عدة مجالات، مع تأكيد أن حركة ازدياد التمييز العنصري في إسرائيل لم تعد ممارسة فحسب، بقدر ما تحولت إلى أيديولوجيا تتسيد يوماً إثر آخر، وفقاً لما تقوله الأدبيات السياسية الإسرائيلية ذاتها.
ورغم أن مظاهر العنصرية وكراهية الآخر والتحريض على العنف تضاعفت في المجتمع الإسرائيلي، خاصة بعد اختفاء المستوطنين الثلاثة والعثور على جثثهم، مثلما تضاعفت خلال الحرب على قطاع غزة، فالأمر المؤكد هو أن مظاهر العنصرية والكراهية والتحريض باتت تقوم على خلفية قومية واسعة في المجتمع الإسرائيلي، وتتكشف بصورة واضحة في المدارس. وتعتبر كتب التدريس في مختلف مراحل التعليم الإسرائيلية جزءاً من الفكر الصهيوني ممزوجة بعناصره المشجعة على العنصرية والإرهاب والكراهية. ففي غالبية هذه الكتب لا يزال اليهودي يوصف بأنه «جالب الحضارة»، فيما العربي هو «البدائي» و«المتخلف». والكتب التدريسية الإسرائيلية، بالمجمل، كتب تدرس التاريخ العبري وتنكر وجود الشعب العربي في فلسطين.
فمثلا، بحسب صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، يتوقع أن يصدر في نوفمبر المقبل في إسرائيل كتاب بعنوان «صور من حياة المدرسة» (تأليف الباحثين الدكتور عيدان يارون والبروفيسور يورام هارباز)، وهو يستند إلى مواقف كان مسرحها، على مدى ثلاث سنوات، مدرسة ثانوية إسرائيلية، لكنها تعكس الأجواء العامة في المدارس الثانوية الإسرائيلية. وقد اقتبست الصحيفة من فصل في الكتاب، مخصص لمظاهر الطائفية والقومية والعنصرية، أقوال تلميذة في الصف العاشر تقول: «العرب بالنسبة لي شيء لا يمكنني رؤيته ولا تحمله، وإن أمكنني خلال خدمتي العسكرية أن أطلق النار على أحدهم، فلن أفكر مرتين». وفي موضوع الانتقام، يصر أحد التلاميذ على أنه «يجب قتل جميع العرب، ويتفق مع خمسة تلاميذ في صفه ويدعمونه ويقولون إنه يجب قتل العرب». وقال تلميذ آخر إن «العرب هم عماليق، ومن الواجب قتلهم كلهم». وعندما قالت تلميذة اسمها «ميخال» إن «الانتقام سيحدث دائرة دموية، وإنه ليس كل العرب أشراراً»، بدأ تلاميذ آخرون يصرخون، وبعضهم شعروا بإهانة شخصية من أقوالها، لتجد نفسها وحيدة في هذه المعركة. وراح التلاميذ يعيرونها بأنها «تحب العرب ويسارية».
رئيس مجلس أمناء «الموسوعة الفلسطينية» وفي استطلاع للرأي، يعتقد 95 % من الإسرائيليين بوجود عنصرية في المجتمع الإسرائيلي، حيث أظهر الاستطلاع أن فلسطينيي 48 هم أكثر الشرائح تعرضاً للسلوك العنصري بعد الأثيوبيين اليهود. وقال أكثر من 70 % من المستطلعين إن الحكومة الإسرائيلية لا تفعل ما فيه الكفاية لوقف ظاهرة العنصرية، واتهم الـ20 % الحكومة بتشجيعها عملياً العنصرية.
وبحسب صحيفة «هآرتس»، فإن الصورة التي يستعرضها الكتاب المنهجي الأحدث، وهو بقلم الباحثين البارزين (يارون وهارباز)، حول المدرسة في إسرائيل، تدل على أن كراهية العرب هي أمر يتم التعبير عنه «بشكل أساس ومتكرر يومياً بين الفتية، وتحول إلى عنصر مهم في هويتهم». لذا، فإن أهم ما يميز «التربية والتعليم» في إسرائيل هو «عسكرتها» لدرجة تجعل الطالب جندياً، الأمر الذي يؤكد مسؤولية الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على استفحال ثقافة العنصرية والكراهية القائمة على رفض وإقصاء الآخر، بسبب الخطاب التحريضي والانتهاكات المبرمجة التي تلقي بآثارها السلبية على المجتمع الإسرائيلي. بل إن وزارة المعارف بدأت مشروع «تسافا» الذي يؤهل ضباطاً متقاعدين من الجيش وجهاز المخابرات (الشاباك) للعمل كمربين، حيث التحق المئات من الضباط يحملون الشهادات الجامعية الأولى ليندمجوا في السنوات الأربع عشرة الأخيرة في مدارس مختلفة في جميع أنحاء إسرائيل. ومن المعروف أنه على نطاق أوسع، يتم فرض الفصل العنصري في كل مناحي الحياة الرئيسية في إسرائيل: تخصيص المسكن، وحقوق المواطنة، والتعليم والتوظيف. وليس أي من هذا عرَضياً وغير مقصود، وإنما لضمان مستقبل إسرائيل كدولة يهودية، حيث تتزايد الشواهد على أن العنصرية باتت نهج حياة في إسرائيل، وأن كراهية العرب والرغبة في موتهم أضحت مذهباً فكرياً يجتاح بتزايد أوساط المجتمع الإسرائيلي... وكأنه يبدأ في المهد وصولاً إلى اللحد!
الاتحاد 2014-10-31
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews